الجمعة، 11 ديسمبر 2009

عقاب الزوجة في الإسلام

عقاب الزوجة في الإسلام
بقلم مالك مسلماني
Oct 04, 2009
عقاب الزوجة في الإسلام
Wife Punishment in Islam

الرجلُ في الإسلام زعيم البيت، ومرجع زوجته فيما يخص الصواب والخطأ. وفي حال أخلّت المرأة بالقواعد التي وضعها، فإن القرآن منحه حق معاقبتها، فقال له: <وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ، فَعِظُوهُنَّ، وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ؛ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ، فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً>[1].

النّشوز:
سمّت الآية كسر القواعد التي رسمها الرجل «نشوزاً». ونقرأ في لسان العرب: «نَشَزَت المرأةُ بزوجها وعلى زوجها تَنْشِزُ وتَنْشزُ نُشُوزاً، وهي ناشِزٌ: ارتفعت عليه واستعصت عليه وأبغضته وخرجت عن طاعته». ويعرّف ابن تيمية النّشوز: «هو أن تنشزَ عن زوجها فتنفر عنه، بحيث لا تطيعه إذا دعاها للفراش أو تخرج من منزله بغير إذنه، ونحو ذلك مما فيه امتناع عمّا يجب عليها من طاعته»[2]. أي إن كل تعبير عن الذات من جانب المرأة، إنْ كان على المستوى الجنسي مثل الامتناع عن تلبية رغبات الرجل الجنسية، أو على المستوى السلوكي من رفض الخضوع لأوامر الزوج الجائرة مثل البقاء في المنزل، يُنظر إليه من زاوية الآية على أنه فعل عصيان، وحينها يجب أن يتدخل الزوج لتهذيب زوجته بأدوات المعاقبة الثلاثة التي حددتها الآية: العظة ـ الهجران في المَضْجَع ـ الضرب.
الوعظ
في البدء يذكّر الرجلُ المرأةَ بحقوقه التي منحته إياه الشريعة، فيقول لها على سبيل المثال: «اتقيِ الله! فإن لي عليك حقاً، وارجعي عما أنت عليه، واعلمي أن طاعتي فرض عليك»[3]. فإن لم تستجب للوعظ، ينتقل الرجل إلى المستوى الثاني من العقاب.
الهجران
تتنوع أقوال العلماء حول المستوى الثاني من العقاب (الهجران). ولدينا الأقوال التالية عن معنى <وَاهْجُرُوهُنَّ>:
1. الامتناع عن ممارسة الجنس معها، وعدم محادثتها[4]؛
2. عدم التكلم معها من غير أن يترك الرجل ممارسة الجنس[5]، لأن الجنس حقٌ له. وقيل على لسان ابن عباس: «يَهْجُرُها بلسانِه، ويُغْلِظُ لها بالقول، لا يَدَعُ جِماعَها»[6].
3. تقييد الزوجة واغتصابها، وهو رأي اختاره الطبري في تفسيره[7]. وللبرهنة على صحة تأويله يستعرض الطبري معاني مفردة «الهجر» في المعجم العربي، ويشير إلى أحد هذه المعاني هو: هجْرُ البعيرِ، إذا رَبَطه صاحبُه بالهِجَارِ، والهِجَارُ حبلٌ يُربَطُ في يد البعير في أحد الجانبيْن[8]. ويضيف الطبري:
«فأَولى الأقوالِ بالصوابِ في ذلك أن يكونَ [قولُ الآية] <وَاهْجُرُوهُنَّ> مُوَجَّهاً معناه إلى معنى الرَّبْطِ بالهِجارِ، على ما ذكرنا من قيلِ العربِ للبعيرِ إذا رَبَطه صاحبُه بحبلٍ على ما وَصَفنا»[9].
ويلقى هذا التأويل تأييداً من جانب مجموعة واسعة من العلماء، الذين قالوا إن معنى <وَاهْجُرُوهُنَّ> «أكرهوهنَ على الجماع واربطوهن، من هجر البعير إذا شدَّه بالهِجَارِ»[10].
الضرب
على الرجل أن يبث الرعب في نفس المرأة، وفق القول المحمديّ: «علّق سوطك حيث يراه أهلك»[11]. ويلخص مفسرٌ قواعد العقاب:
«الضّرب الخفيف كاللطمة وكاللَّكْزة، ونحوها مما يشعر بالاحتقار، وإسقاط الحرمة، ثم الضّرب بالسّوط والقضيب الليّن ونحوها مما يحصل به الألم والإنكاء، ولا يحصل عنه هشم، ولا إراقة دم، فإنْ لم يفدْ شيءٌ من ذلك ربطها بالهِجَارِ، وهو الحبل، وأكرهها على الوَطْء، لأن ذلك حقه»[12].
عندما نحلل هذا التعريف، نجد:
1. إن الضرب يهدف إلى تحطيم كرامة المرأة، وإشعارها أنها كائن دوني لا كرامة له («الاحتقار، وإسقاط الحرمة»)، تمهيداً لأحكام السيطرة النفسية عليها؛
2. الهدف المبتغى من الضرب هو الاغتصاب («وأكرهها على الوَطْء، لأن ذلك حقه»). والإكراه على الجنس بالضرب أكده ابن عباس، الذي قال إن للرجل الحق بأن يستمر بضرب زوجته «حتى تُطِيعَه في المضَاجعِ»[13]؛
3. إن فشل الضرب في إجبار الزوجة على الجنس، يقوم الزوج بربط زوجته واغتصابها.
4. نجد في التعريف مفردة «الوَطْء»، وهي مفردة متداولة في كتب اللغة وفي مصادر الفقه، فيقال: «وَطِئَ المرأةَ يطؤُها: نكَحَها». و«الوَطْءُ في الأصلِ: الدَّوسٍ بالقَدَمِ»[14]. وتعكس هذه المفردة تصور هذا المجتمع للجنس، حيث يُنظر إلى الممارسة الجنسية على أنها فعل يطأ الرجل جسد المرأة. وتعبّر هذه المفردة عن رغبات عنف وعن نزوع لتحقيق إشباع سادي.
الآية القرآنية لا تحدد كيفية وحدود الضرب، لكن الشارحين يقولون إن محمداً شرط أن يكون الضربُ: «ضَرْباً غيرَ مُبَرِّحٍ»[15]. وأما كيف فُهم هذا الضرب «غير مُبَرِّحٍ»، فهو:
1. كاللَّكْزة ونحوها[16]؛
2. ألا يكون على الوجه[17]؛
3. ألا يكسر لها عظماً[18]؛
4. يجوز للرجل أن يستخدم أدوات مثل السِّوَاك[19]، أو «بِالشِّرَاكِ [شريط الحذاء] وَنَحْوهِ»[20].
الضرب ينال المرأة على كل تصرف يكرهه الزوج أو على أي فعل يثير غضبه[21]. ولا يحق لأحد أن يلوم الزوج على ما يقترفه بحق زوجته، فذات مرة ضرب عمر بن الخطاب زوجةً له، فسمع لوماً، فقال محمد: «لا يُسألُ الرجلُ فِيمَ ضَربَ أهْلَهُ»[22]. وفي مناسبة أخرى قال عمرُ لرجل إن محمداً قال: «لا تسألْ الرجلَ فيمَ ضرب امرأته»[23]. ولهذا، فإن أبا بكر، لم ينبس ببنت شفة حينما كانت ابنته أسماء تتعرض للضرب من جانب زوجها، إذْ وصفت أسماء زوجها بالكلمات التالية: «إذا غضب [الزّبير بن العوّام] على إحدانا ضربها بعود المشجب حتى يكسره عليها»[24]. وذات مرة اشتد غضبه عليها وعلى ضّرة لها، فقام ﺒ «عقد شعر واحدة بالأخرى، ثم ضربهما ضرباً شديداً»[25]. وذات مرة جاء عمر بن الخطاب محمداً، وقال له إن نساء المهاجرين صرن أكثر جراءةً في المدينة منهن في مكة، فأذن محمد في ضربهن، وليلتها ضُربت الكثيرات، وقيل إن سبعين امرأة جاءت زوجات محمد يشكون أزواجهن[26].
ما زال الأدب الإسلامي الحديث والمعاصر يقدّر قيمة الضرب عالياً في حلّ الخلافات الزوجية، وينظر إلى نتائجة «التربوية» بعين الرضى، وهذه أمثلة:
المثال الأول ـ من «تفسير المنار» لمحمد عبده، أحد رواد النهضة العربية (!):
«يستكبر بعض مقلدة الإفرنج في آدابهم منا مشرعية ضرب المرأة الناشز لا يستكبرون أنْ تنشز وتترفع عليه فتجعله وهو رئيس البيت مرؤساً بل محتقراً، وتصر على نشوزها حتى لا تلين لوعظه ونصحه، ولا تبالي بإعراضه وهجره، ولا أدري بمَ يعالجون هؤلاء النواشز وبمَ يشيرون على أزواجهن أن يعاملوهن [...] فأي فساد يقع في الأرض إذا أبيح للرجل التقيّ الفاضل أن يخفض من صلف إحداهن [... و] من نشز غرورها بسواك يضرب به يدها، أو كف يهوي بها على رقبتها؟ إن كان يثقل على طباعهم إباحة هذا فليعلموا أن طباعهم رقّت حتى انقطعت وأن كثيراً كثيراً من أئمتهم الإفرنح يضربون نساءهم العالمات المهذبات، الكاسيات العاريات، المائلات المميلات، فعل هذا حكماؤهم وعلماؤهم، وملوكهم وأمراؤهم، فهو ضرورة لا يستغني عنها الغالون في تكريم أولئك النساء المتعلمات، فكيف تستنكر إباحته للضرورة في دين عام للبدو والحضر، من جميع أصناف البشر»[27].
النموذج الثاني ـ من معاصر يورد حرفياً كلمات «رائد التنوير»:
«وقد يستعظم بعض من قلد الإفرنج من المسلمين مشروعية ضرب المرأة الناشز ولا يستعظمون أن تنشز وتترفع هي عليه فتجعله وهو الرئيس مرءوساً محتقراً وتصرّ على نشوزها فلا تلين لوعظه ونصحه ولا تبالي بإعراضه وهجره، فإن كان قد ثقل ذلك عليهم فليعلموا أن الإفرنج أنفسهم يضربون نساءهم العالمات المهذبات، بل فعل هذا حكماؤهم وعلماؤهم وملوكهم وأمراؤهم، فهو ضرورة لا يستغنى عنها ولاسيما في دين عام للبدو والحضر من جميع أصناف البشر، وكيف يستنكر هذا والعقل والفطرة يدعوان إليه إذا فسدت البيئة وغلبت الأخلاق الفاسدة، ولم يرَ الرجل مناصاً منه ولا ترجع المرأة عن نشوزها إلاّ به»[28].
النموذج الثالث ـ لمحمد متولي الشعرواي، أكبر عالم مصري حديث، والذي مارس تأثيراً كبيراً على عقول المتلقين العرب:
«إن الضرب ليس علامة الكراهية، ولكنه قد يكون علامة حب، وأنه ما دام غير مبرح فإنه يسبب ألماً بسيطاً، وأن الإنسان قد يلجأ إلى ضرب خفيف مع من يحب لأنه يحب مصلحته، ويهمه أمره.
والمرأة بطبيعتها تتفهم ذلك من زوجها، وتعرف أن غضبه عليها ومعاقبته لها.. سرعان ما يتلاشى ويزول بزوال أسبابه، فتدوم بينهما العِشْرة وكأن شيئاً لم يكن»[29].
في هامش كتاب: «الإسلام في قفص الاتهام»، يورد المؤلف اقتباساً لعالم نفسي غربي يدعى G. A. Hadfield. لنقرأ هذا الاقتباس المنسوب لهذا العالم:
«غريزة الخضوع تقوى أحياناً، فيجد صاحبها لذة في يكون مُتَسَلَّطاً عليه، ويحتمل لذلك الألم بغبطة، وهذه الغريزة شائعة بين النساء... والزوجة من هذا النوع تزداد إعجاباً بزوجها كلما ضربها وقسا عليها... ولا شيء يحزن بعض النساء مثل الزوج الذي يكون رقيق الحاشية دائماً، لا يثور أبداً على الرغم من تحديه»[30].
المؤلف الإسلامي لا يذكر لنا اسم المصدر (البحث أو الكتاب) الذي أخذ منه الاستشهاد، ولا يعرفنا بالعالم النفساني. وقد بحثنا عنه في «Google books»، ولم نجد هذا الاسم، وبكل الأحوال، سنسقط من حسابنا أن هذا تزييف من الكاتب الإسلامي، وسنفترض أن العالم النفساني الوارد ذكره شخصية حقيقية، فمن المحتمل أنه كان يتناول الشخصية المازوخية، بيد أن طريقة إيراد الاقتباس تجعل القارئ يظن أن الاقتباس يفيد أن المرأة تتشوق للكمات الرجل، وأن بعض النساء يصبن بالخيبة إن كان الزوج «رقيق الحاشية». وحاشا لله أن يخذل المسلم زوجته في أشواقها الرومانسية!
المرأة دمية للجنس
للرجل في الإسلام السيادة المطلقة على زوجته، والعلاقة بينهما هي علاقة سيد وعبد، كما جاء في حديث محمدي: «لو أَمَرْت أحداً أنْ يسجدَ لأحدٍ لأِمَرْتُ المرأةَ أنْ تَسجد لِزَوْجِها»[31]؛ ولهذا يعتبر المسلمُ المرأةَ أداة إشباع لرغباته الجنسية، وله أن يفرض عليها ذلك شاءت أم أبت. وفي كل أحوالها: راغبةً أم كارهةً، سليمةً أم سقيمةً، فجسدها له. ولو كانت تشتغل بإعداد الخبز للأسرة، فعليها أن تترك ما بيدها وتسارع لإشباع غريزة الزوج إن نادتها حسب الحديث المحمدي[32]. وها هي الأحاديث تؤكد على ذلك:
ـ «لا تَمْنَعْه نفسَها وإنْ كانت على قَتَبٍ»[33]. [القَتَب: ما يُوضع على ظهر البعير للركوب، ويكون على قدر السَّنام].
ـ «إنَّ مْن حَقِّ الزَّوجِ عَلَى الزَّوْجَةِ إذا أَرَادَاه فَرَاوَدهَا عَلَى نَفْسِهَا وهَيَ عَلى ظَهْرِ بَعِيرٍ لا تَمْنَعُهُ»[34].
ـ «إيما امرأةٍ باتت هاجرةً فراشَ زوجها، لعنتْها الملائكةُ حتى تُصبح» وفي رواية: «حتى تُراجعَ وتضعَ يدَها في يده»[35].
ـ «إذا دعا الرجلُ امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكةُ حتى تُصبح»[36].
ومن ينظرْ في مصادر التفسير والأحاديث يجدْ عشرات الأحاديث بهذا الشأن.

خاتمة
يسمع المسلمُ منذ نعومة أظافره وفي مختلف المناسبات (في المسجد والمدرسة وأثناء تلاوته للقرآن): فعِظُوهُنَّ، وَاهْجُرُوهُنَّ، وَاضْرِبُوهُنَّ. هذا الترديد الطقوسي (عظْ ـ اهْجُرْ ـ اضْرِبْ) يدخل في بنية المسلم النفسية، فتغدو هذه النصائح جزءاً مكوناً للاشعوره، ويتأسس في وعيه طريقة معاملته للمرأة، وتصير مكانتها في بيت الزوجية لكن لا ككائن مساوٍ له بل بوصفها أمةً لشهواته، وبما أنها رقيقة، فيحق له أن يملك جسدها وروحها. وفي النزاعات الزوجية، ليس للرجل الكلمة العليا، بل اليد العليا، يضرب متى شاء ولأي سبب شاء، لا يُسئل «فيمَ ضرب امرأته»، فهو المدعي والقاضي والجلاد. هو صاحب جميع السلطات. هو المتصرف بجسدها، فإكراهه إياها على الجنس ليس اغتصاباً، بل حق مشروع.
منذ خمسة عشر قرناً والمرأة المسلمة تتعرض لاضطهاد نفسي وجسدي. ولهذا نجد أن صوت الاحتجاج على واقع المرأة يصدر خافتاً من المرأة، فالقلة القليلة من تخطت بعض القواعد الجائرة، وأقل منها مَنْ خرجت تطالب بالحقوق، وتبقى هذه الأقلية الضيئلة مجرد أصوات بالكاد يصل همسها بسبب ضآلة المطالبات بالحرية قياساً بالجمهور النسائي العريض الذي لم يتوفر له الظروف بعد لكسر القيود.
ـــــــــــــــــــ
[1] سورة النساء: 4/ 34.
[2] التفسير الكبير: 3/ 238، قارن: الطبري: 6/ 696 ـ 697.
[3] الرازي: 10/ 93.
[4] الطبري: 6/ 701؛ ابن كثير: 4/ 25؛ أحكام القرآن: 1/ 533.
[5] الطبري: 6/ 702.
[6] الطبري: 6/ 704؛ قارن: القرطبي: 6/ 284، الدر المنثور: 4/ 403.
[7] القرطبي: 6/ 285.
[8] الطبري: 6/ 705.
[9] الطبري: 6/ 707.
[10] الزمخشري: 2/ 70.
[11] الزمخشري: 2/ 70.
[12] البحر المحيط: 3/ 252.
[13] الطبري: 6/ 709.
[14] لسان العرب، مادة وطأ.
[15] الطبري: 6/ 709 ـ 710.
[16] القرطبي: 6/ 285.
[17] الطبري: 6/ 708.
[18] الطبري: 6/ 711.
[19] الطبري: 6/ 711 ـ 712.
[20] الثعالبي: 2/ 230.
[21] القرطبي: 6/ 286.
[22] القرطبي: 6/ 287، الدر المنثور: 4/ 406.
[23] ابن كثير: 4/ 29.
[24] الزمخشري: 2/ 71.
[25] البحر الميحط: 3/ 252. قارن: القرطبي: 6/ 285؛ أحكام القرآن: 1/ 533.
[26] الرازي: 10/ 93، قارن: ابن كثير: 4/ 27 ـ 28.
[27] المنار: 5/ 74 ـ 75.
[28] المراغي: 5/ 29.
[29] الشعرواي، 98.
[30] الإسلام في قفص الاتهام، 237، هامش رقم 29.
[31] القرطبي: 6/ 283، قا: آداب النكاح، 70 ـ 71 ومن وصايا، 97 و98.
[32] الدر المنثور: 4/ 406.
[33] القرطبي: 6/ 283.
[34] آداب النكاح، 71.
[35] القرطبي: 6/ 283.
[36] من وصايا، 100.

الخميس، 3 ديسمبر 2009

العقل اللاخلاقي العربي

لا يمكن فصل الكوارث والأزمات التي تحلّ بالعالم العربي على اختلاف درجاتها وأشكالها، عن المكوّن الأخلاقي والقيمي الذي بات يسكن الشخصية العربية. وتشير جُملة الأزمات والمشكلات التي طفت على السطح العربي مؤخراً إلى مدى الترّدي الذي أصاب هذا المكوّن ويكاد يفسده تماماً. ويبدو أن العقل الأخلاقي العربي (منظومة القيم والسلوكيات التي تحكم الشخصية العربية) قد أصابه السقَم والعِلل حتى بات هو نفسه جزءاً من أزمة «الإنسان» العربي وليس حلاً لها.
ونظرة أفقية على المشهد العربي الراهن تكشف حجم الانهيار الأخلاقي والقيمي الذي وصلت إليه المجتمعات العربية بمستوييها الرسمي والشعبي. فما حدث بين مصر والجزائر مؤخراً لم يكن مجرد خلاف «كروي» ساذج، أو تفريغ شحنة زائدة من الغضب الوطني «المصطَنع»، وإنما بالأحرى هو دليل حيّ على نوعية الأمراض التي توطنت العقل «الأخلاقي» العربي وعينة نموذجية لرداءة وانحطاط الشخصية العربية. فقد انخرط كلا الطرفين، في حالة من الغضب والكراهية للطرف الآخر ربما تحتاج إلى سنوات كي تتم إزالة ترسباتها. وقد ظن البعض في البداية أن الأمر مجرد مشاكسة بسيطة، ولكن الأمر تدحرج ككرة الثلج كي ينتج أزمة دبلوماسية، ربما تؤدي إلى قطيعة تاريخية لم يتوقعها أكثر الناس تشاؤماً. وكأن البلدين كانا ينتظران الفرصة للتعبير عما يدور في عقلهما «الأخلاقي»، كلٌ تجاه الآخر، ووجدا ضالتهما فى مباراة لكرة القدم. ناهيك عما حملته هذه الأزمة من تأويلات سياسية واقتصادية زادت من تعقيدها وأنهت صفحة بيضاء في تاريخ الشعبين المصري والجزائري.
رؤية تفكيكية أولية للعقل «لأخلاقي» العربي تكشف حجم التناقضات والمفارقات التي يمارسها هذا العقل ليل نهار، والتي باتت بدورها مكوناً أساسياً في الشخصية العربية الراهنة التي أصابتها الشيزوفرينيا والعصبية البغيضة. لعل أول هذه التناقضات هو الفجوة الهائلة في العلاقة بين النص والواقع. وهي معضلة تجسدها درجة الإقبال المحموم على الالتزام الديني الشكلي واتباع المنهج «الطقوسي - الشعائري» في مختلف مظاهر الحياة اليومية، مقابل زيادة جرائم الشرف والتحرش والاغتصاب، ناهيك عن الممارسات اللا أخلاقية التي تنتهك كرامة المواطن العربي يومياً كالرشوة والاحتكار والمحسوبية وغياب المسؤولية وضياع المهنية والكفاءة.
وبافتراض أن الدين هو المصدر الوحيد للأخلاق فى العالم العربي، فإن المكون القيمي (التهذيبي) لهذا الدين يكاد يكون الأكثر حضوراً في النص القرآني والسنة النبوية الشريفة وفي التعاليم الإنجيلية. ولعل الأجدر في اولئك الذين يتمسكون بحرفية النص الديني، أن يحتكموا لهذا المكون القيمي في تقييم سلوكياتهم وعلاقاتهم مع الأخرين، إن لم يكن كوازع أخلاقي وفلسفي، فعلى الأقل كفريضة يجب تنفيذها على غرار ما هو حادث في بقية القضايا الفرعية. وقد عالجت تأويلات وقراءات الأئمة والفقهاء للنصوص الدينية الكثير من الأمراض والعلل الأخلاقية. فعلى سبيل المثال يعالج أبو حامد الغزالي (1085-1111 م) معضلة الغضب والكراهية بقوله «إن الغضب مرض من أمراض القلوب ينبته أصول أربعة أمور هي الكبر والفخر، والتعزز والحمية ... وهو يعالج بالتواضع ولجم النفس والكرم والعلم والعمل وكظم الغيظ»، فأين العرب من ذلك؟
ثانياً، الفجوة بين القانون والأخلاق. فنظرياً تبدو العلاقة بين كلا الأمرين مطردة، بحيث إذا تم الالتزام بتطبيق القانون كلما انضبط المجتمع وسمت أخلاق أعضائه. وفي التجربة الغربية تم الانتقال مبكراً من الصيغة «الردعية» للقانون بحيث يجرى فرضه قسراً، إلى الالتزام الذاتي به طوعاً من قبل المواطنين، وهو ما يُعرف ضمناً بـ»دولة القانون». فالمواطن الغربي لا يلتزم بالقانون خوفاً من عواقب انتهاكه فحسب، وإنما أيضاً خوفاً من إحداث خلل في النظام العام للمجتمع والتأثير في انسيابية منظومته القيمية والأخلاقية التي وطدّت العلاقة بين أفراده. وهو ما بات يعرف سوسيولوجياً بنظرية «الواقعية الأخلاقية Moral Realism».
أما في العالم العربي فالعكس صحيح، فإذا وُجد القانون غابت الأخلاق، وكأن القانون قد وُضع كي يُنتهك ويتم الاعتداء على نصوصه. وثمة نقص شديد في المعايير الإجرائية لتطبيق القانون في العالم العربي. وكم من جرائم ارتكبت تحت غطاء القانون، وكأن المشرّع العربي يصنع ثغرات القانون قبل أن يقوم بوضعه.
ثالثاً، انعدام التوازن بين السلطة والمسؤولية. وهي سمة ترتبط أساساً بكل أشكال ممارسة السلطة في العالم العربي. فالمسؤول العربي لا ينظر الى نفسه باعتباره «خادماً» للمجتمع ومواطنيه، وإنما باعتباره مخدوماً يجب أن يعمل الجميع على إرضائه. وهو لا يفعل ذلك إلا لتيقنه من غياب الرقابة والمسؤولية ومن ثم العقاب في حال الخطأ. وهي سمة تنسحب على كل الموظفين والعاملين فى الجهاز البيروقراطي للدولة العربية الذين يتفنون في تعذيب المواطنين وإذلالهم نفسياً ومعنوياً. والنتيجة المنطقية لذلك هي شيوع الفساد بكل أشكاله، حتى يصبح نمطاً «أخلاقياً» يضرب كيان الدولة والمجتمع.
وكم كان طريفاً أن تعلّق إحدى الصحف المصرية أثناء اشتداد الأزمة المصرية – الجزائرية على تعادل البلدين في مؤشر الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية العالمية حيث حصلا على المستوى 111 من بين 180 دولة هي الأكثر فساداً فى العالم.
بيد أن ثمة حلقة مفقودة يجب الالتفات إليها في تحليل علاقة السلطة بالمسؤولية وهي التي ترتبط بقضية الإرادة الحرة. فالمسؤول العربي لا يتصرف فيما تحت يديه في شكل مطلق أو حرّ، وإنما هو مقيّد بمن هو أعلى منه سلطة ونفوذاً. لذا غالباً ما ينتفي القيد الأخلاقي الذاتي، فلا يستقيل مسؤول عربي من منصبه بسبب تقصير أو خلل في أداء مهماته، ذلك أنه لا يتمتع بإرادة حرة حقيقية قد تمكنه من اتخاذ قراره بيديه. ولا يخلو الهمّ العربي اليومي من كوارث ومصائب متجددة يدفع ثمنها المواطن البسيط من دون محاسبة المسؤولين عنها. وإذا حدثت الإقالة فهي عادة لا تكون متبوعة بالمحاسبة والعقاب على التقصير. وما حدث قبل أيام في جدة مثال جليّ على ضعف الرؤية وانعدام الرقابة والمحاسبة. وما يحدث في مصر في شكل متكرر من إزهاق أرواح بريئة، لهو مثالٌ صارخ على الفساد الذي ينخر في تركيبة السلطة ويعشش في ثقافتها. والمدهش أنه فى الوقت الذي تنفق ملايين الدولارات على مشاريع عملاقة سواء بغرض التفاخر أو الحصول على مساعدات دولية، فإن المواطن العربي يدفع حياته ثمناً لغياب أبسط حقوقه الآدمية من المرافق والبنية التحتية الأساسية.
رابعاً، غياب فكرة الحقوق الأخلاقية Moral Rights. فالعلاقة بين المواطنين داخل المجتمعات العربية باتت خشنة وموتورة بسبب غياب قيم التراحم والمودة والتسامح التي حلت محلّها قيم المغالبة والمفاخرة والاحتقار. وإن المرء ليعجب حينما يصادف مواطناً عربياً يلتزم بالقانون ويتفنن في إبراز احترامه للقيم والأخلاقيات حين يزور بلداً أجنبياً، فى حين يفعل العكس تماماُ في مجتمعه وبين عشيرته. وبالمثل لو كان الطرف الآخر فى أزمة مصر والجزائر دولة أجنبية لما شهدنا كل هذه العصبية والتشنّج، بل لربما شهدنا احتراماً وتودداً نادر الحدوث. ولا مخرج من هذه الازدواجية إلا بالانتقال من نظرية «التقيد الديني الأخلاقي» Divine Command Ethics، إلى فكرة «التطوّع الأخلاقي» Ethical Voluntarism . فالنص الديني ليس مجرد كتلة صمَاء، وإنما هو بالأحرى قواعد حيّة تستهدف سمو النفس البشرية.
وتظل فكرة الحقوق الأخلاقية احدى الوشائج المهمة لرسم العلاقة بين الطوائف والمذاهب والجماعات السياسية والدينية في العالم العربي. وهي فكرة، على رغم علمانيتها الظاهرة، إلا أن لها جذوراً دينية عميقة تحض على قبول الآخر والتسامح معه بغض النظر عن الاختلاف معه سياسياً أو دينياً.
ولعل السؤال المنطقي الآن هو: كيف وصل العقل «الأخلاقي» العربي إلى هذه الدرجة من التردي والتناقض؟ ولماذا باتت الشخصية العربية مصابة بأمراض الشيزوفرنيا والتعصب وانعدام الميزان «الأخلاقي»؟ وهو سؤال على رغم شموليته إلا أن إجابته لا تخلو من حقائق عدة أولها أن هذه الحال ليست أصيلة في الشخصية العربية وإنما طارئة. فالتاريخ العربي والإسلامي زاخر بمدى ارتقاء ورحابة العلاقات المجتمعية مع المسلمين وغيرهم. وإذا كنا نقرّ بأن تغيرات كثيرة قد طرأت على هذه الشخصية، فحسبنا أن ثمة أصلاً للعلاج يمكن البناء عليه لإعادة التوازن لها. وثانيها، أن الأنظمة العربية الراهنة تتحمل مسؤولية كبيرة عما وصل إليه الانهيار الأخلاقي والقيمي في مجتمعاتها. وهي مسؤولية وإن كانت لا تنفي دور المجتمعات في تعزيزها وترسيخها، إلا أن هذا الدور أشبه بعملية «تحوير الفيروس» وليس خلقه من العدم. وثالثها، أن ثمة دوراً مهماً لعبته النخبة الفكرية والثقافية العربية في زيادة تردي الحالة الأخلاقية في العالم العربي، سواء من خلال الصمت المخجل على مظاهر هذا التردي (حالة مصر والجزائر مثالاً)، أو بسبب عدم القدرة على إيجاد حركة إصلاحية «أخلاقية» كتلك التي شهدها القرن العشرون من أمثال محمد عبده ومالك بن نبي وعلي شريعتي ومحمد إقبال ومحمد الغزالي. ورابعها، أن إعادة بعث الروح «الأخلاقية» في الجسد العربي وإن كانت مهمة غير عسيرة، بسبب وجود الأصل القيمي والمعرفي لها، إلا أنها في حاجة إلى جراحة عاجلة ودقيقة، كون علاج المريض ولو متأخراً أهون من الصمت على علِّته.
* أكاديمي مصري - جامعة دورهام - بريطانيا
k.m.ibrahim@durham.ac.uk

هكذا تحدث السويسريون

تعيش كل الدول المتحدثة بالعربية مخاوف وهواجس الأمن الداخلي، لهذا ارتبطت نظمها بعضها البعض بروابط متينة توجتها باجتماعات دورية منتظمة تضبط علي مواقيتها الساعات السويسرية الدقيقة الصنع. اهم الاجتماعات هي كوكتيل من وزراء الداخلية والاعلام!!! تتخذ فيه اهم القرارات واكثرها جدية وحسما وتنفيذا. اما افشلها واضعفها ولا مردود منها، عامدين متعمدين، فتتم في جامعة الدول العربية حيث تجتمع النظم السياسية!!!

كل تلك الدول تعاني ازمات اقتصادية هيكلية وبنيوية اما صلب العلاقات الداخلية فهو مناقض لاي مفهوم اقتصادي قامت عليه الدولة الحديثة. وكما يقول وول ديورانت في موسوعته مؤكدا قول ماركس الشهير "History is economy in action"، فان هذه الدول وبناء علي هذا التعريف اصبحت خارج التاريخ مرة اخري. فالازمات المستمرة لهم جميعا تستلزم هذا التحالف القوي المتين المشبوه بين الامن والاعلام. حيث يقوم الاخير بتشويه حقيقة ما يجري من صراعات داخلية مع القاء اللوم بشكل مستمر علي المؤامرة الخارجية حتي اصبحت كل دولة تقول انها مستهدفه وان القوي المتربصة بهم لا تتورع من عمل كل ما يضر الامن. هنا يلتقط الطرف الاول في الكوكتيل ليبدا في حماية كل ما هو مترهل وفاسد في الداخل حمايه للامة المستهدفة من مؤامرات الخارج.

لكن كيف يمكن لاعلام يمتلك 24 ساعة بث فضائي في مئات القنوات الفضائية والارضية ومعها صحف ومجلات وادوات اخري كالسينما والمسرح وقدرات هائلة لطباعة الكتب ان يملئها بما يمنع الدول هذه من العوده الي التاريخ. فالخريطة التليفزيونية ومعها الكتب في المعارض كلها تحولت الي ما يشبه الهوس الديني والدروشة الايمانية، تشعر معها وكأن لحظة أن يوم القيامة قد سرب الله موعدها لهم وباتت اتية لا ريب فيها بعد كل اعلان سمج بين الفقرات الفقيرة.

هكذا حددت السطة الاعلامية الامنية في الدول المطروده من التاريخ مشكلات المجتمع بانه فاقد الاهلية لضعف ايمانه وعقيدته وحاجته اليومية لمن يجدد له دينه متناسيين ان المجتمع به كل انواع العقائد والملل والنحل وان ما يجمعهم ليس الايمان انما الوجود الفاعل كمواطن له حقوق وواجبات في اتجاهين، المجتمع و السلطة. هذا التشويه المتعمد لا نجد له من تداعيات الا بان تحدث فتن طائفية ومعارك لا معني ولا مسبب حقيقي لاحداثها سوي هذا الاعلام الذي يستفيد منه الامن ورجاله ويخسر فيه الوطن والمواطن بتفكيك اواصر الوحده الوطنية. فنتائج تحالف كوكتيل الامن والاعلام هو لذه للسلطة وسم زعاف للمواطن جعل الوطن كله مسموما بل ويصدر سمومه مع كل مهاجر او هارب املا في حياه افضل.

شغلت المعارضة نفسها بتشخيص الداء وتشخيص العلة ، لكن الزمن وتوقيت البحث لم يعطهم ايه فرصة لان يجد احدا من عون ايديولوجي في السوق العالمي كالذي اتيح في زمن الحرب البارده وقبلها، لهذا راجت المقولة السائده علي لسان الجميع بان الحاجة للمجتمع المدني ضرورة بل واصبح الجميع يرون ان غياب هذا المجتمع هو سبب نمو الاصوليات الدينية. لكنهم لم يسالوا انفسهم وهل الاصوليات لها كل هذه السيطرة علي الاعلام الي حد ان اكثر من 65 % من البث الفضائي هو ديني؟ ولنطرح السؤال بصيغة إخبارية، إن تواجد الاصولية في الاعلام عبر السلطة بهذا الحضور الطاغي ومعها كل هذه الفتن الطائفية والدينية يصبح في حاجة الي رجال امن يفوق تعدادهم نصف تعداد الشعب !!!! وفي ذات الوقت ينشر الاعلام كل هذه المواد الدينية ومعه الامن لضمان الحفاظ علي نتائج حقنه في شرايين المواطن. فهل هو تحالف ام وجهين لعملة واحده؟

الشعار الذي يغلف المنطقة من المحيط الي الخليج هو انها امة واحده يربطها الدين واللغة ووحده المصير. فالاخير هذا قد تحدد بالفعل طردا من التاريخ، اما الرابطين السابقين فهما السبب الحقيقي للطرد. ولان الدول الفاشلة تعتبر ان الدين هو سقف أعلي لا يجوز تجاوزه فقد ملئت به فضاء الاعلام ليستنشقه كل من افلح بالافلات بعقله من الغش الثقافي السائد. متناسية ان العامل الديني في حياة الناس غير قادر على معالجة الأزمات، بل صانع لها، والتي تعصف الآن بكل دول المنطقة. لكن دعنا نعود الي قول وول ديورانت لان به مفاتيح كثير من الالغاز المحيرة في فضائنا الحالي. اسست الدول الفاشلة المطروده من التاريخ نظاما اقتصاديا لا علاقة له باي نظام في الدول التي في قلب التاريخ. وعندما يطالب الذين احكموا الكمامة علي انوفهم منعا لاستنشاق الافيون الذي تبثه الدولة الفاشلة، ويطالبوا باقتصاد حر ومجتمع ديموقراطي قائم علي اسس سليمة يخرج مثقفي السلطة ومعهم مشايخ بكل انواع المباخر لحرق اردأ انوع البخور والمخدرات قائلين ان العولمة باقتصادها لا تعترف بهوية ثقافية وخصوصية حضارية، هي تدعو للاباحية والشذوذ وانحلال المرأة. حدث هذا في برنامج شهير علي فضائية مصرية تبعها برنامج فتاوي ووعظ ديني قال فيه احد كبار الدعاه ان الاسلام يجيز تعدد الزوجات وان جواز المتعة حلال لكنه مكروه اما التسري بالجواري فهو مشروع وان زواج المسيار هدفة التخفيف علي المسافر وان من لا يقدر علي الزواج فعليه بالصوم والصلاة. أما الفقر والغني فهو ابتلاء من الله للغني والفقير معا اما البنوك فهي كلها شر. وعندما سالوه عن العولمة قال انها لا تفرق بين الصديق والعدو لانها تقيم علاقات اقتصادية معيارها المصلحة.

لم يكن الانف هو فقط ما ينبغي حمايته من استنشاق الابخرة السامة في اعلام الدولة الفاشلة انما ايضا السمع هو ما ينبغي حمايته. فالحاضرين في الاعلام هم دائما من العميان الذي لو نظروا الي العالم لوجدوا ان كثيرا منهم دخل العولمة ولم يفقد اي خصوصية بل ان اوروبا الموحده حافظت علي كل لغة وكل لهجة وكل فولكلور وكل طراز معماري وكل صفة لها خصوصية ومع ذلك اسمها الاتحاد الاوروبي. فالراسخ في عقول المشايخ الذين اطلقتهم الدول الفاشلة ان المحو والازالة هي ما رسب فيهم من تاريخهم فاصبحوا عربا ومسلمين اي متوحدين عبر اسباب الطرد من التاريخ، وبالتالي فان اسقاطهم لامراضهم التاريخية هو كل ما يملكوه دفاعا عن بقائهم خارج اي منظومة حضارية لها مستقبل مع العالم المتحضر. وجد كثير من مثقفي اليسار واليمين والاصولية الدينية مشتركا لهم في الوقوف ضد العولمة احدهما نكاية في رأس المال والثاني دفاعا عن العروبة بكل جهلها وعنصريتها والثالث حفاظا علي الافيون الذي اكتشفه ماركس ونبت اول ما نبت في منطقتنا التي لها خصوصية تعادي العالم والتاريخ.

سال الاميركيون انفسهم يوما في بيان بعنوان "لماذا يكرهوننا" لم نجد احدا ليجيب بامانة علي السؤال ناقدا نفسه بان غياب الديموقراطية في ادني حدودها هو سبب بقاء العالم داخل التاريخ وهو ذاته السبب لان يخرج آخرين مطرودين خارجه. بينما ظلت الكراهية محافظة في مستواها في الداخل ، وجنينا نحن كراهية الاخر لنا من الخارج. الخروج من التاريخ هي شهادة سوابق جعلت سويسرا مؤخرا تصدر قرارا (بناء علي استفتاء وليس بمرسوم سلطوي) بعدم بناء مآذن, فهل يعقل ان يصبح السويسريون عنصريون وهم الذين لم نسمع عنهم ولو دبيب النمل. ام انه احتراز من اصحاب السوابق؟ سويسرا بلد مسالم الي حد السلبية السياسية والعسكرية فلم تنضم لاي حلف وبقيت علي الحياد السلبي بعكس نظمنا ذات الحناجر الرنانة والزعامات الكاريزمية الذين تبنوا الحياد الايجابي وتمرغوا في فراش كل الكتل الايديولوجية دون خجل. الايجابيين عندنا انتقلوا بايجابيتهم ليكونوا عدوانيين علي شعوبهم في الداخل وفي الخارج فهل كانت السلبية نزيهة الي هذا الحد؟ الايجابيين الان ضد شعوبهم يقمعوهم ويذلوهم ويهينون كرامتهم ولا يحركون ساكنا ضد المعتدي بل ويمالؤونه ويحابونه سرا وعلنا، فهل نستعظم ونستكثر علي من لم يشارك في مثل هذه المهازل ان يكون مدافعا عن ذاته عندما يخترقها الاسلاميون الذي هم من صناعة الايجابيين.
فلنعقد مقارنة صادقة وامينة كيف ايقظنا من كانو سلبيين. الاجابة لمن سأل يوما "لماذا يكرهوننا" تطرح سؤال وهل يكره أصحاب الحياد السلبي اصحاب اصحاب الحياد الايجابي. بعد منع المآذن ولوهلة سريعة بات التسامح السويسري في خبر كان، والانفتاح الاوروبي اصبح دخانا مما دفع اصحاب الكراهية المحليين في منطقتنا للمطالبة باتخاذ اجراءات عقابية ضد سويسرا لان حيادها اكذوبه، وانفتاحها على كل الاجناس والعقائد هو من قبيل التضليل والخداع وخرج احدهم قائلا الجهاد ضدها فرض عين!!
ولم يسال احد ما قيمة المئذنه وهي ليست من الاسلام في شئ حتي تحتقن الدماء من اجلها؟ فالمئذنة بدعة ولن نتطرق لحديث البدع لكننا نراها في ضوء فكرة كوكتيل الاعلام والامن الذي تحرص عليه دول الحياد الايجابي الخارجة من التاريخ عندنا. فهي رمز اعلامي دعائي لا ينقصه سوي تحالف امني لتمرير كل القيم الاصولية التي تضر بالحياد السلبي السويسري. المئذنة، كما رآها اكثر المجتمعات حيادا وسلبية في اوروبا، هي قاعدة دعائية اعلامية انطلقت منها اللحي والنقاب وتضر باي حياد ديني فهي منحازة لثقافة لم تعد محصورة فقط في المسجد كما فعل المجتمع المدني بباقي الاديان. فعدم حياد المئذنة الايجابي الذي يضر بالتماسك السويسري يكمن في صورة الإسلام الحالي المناقضة لقول اصحابه انه دين تسامح وسلام؟ اصحاب الحياد السلبي ليسوا نياما فلديهم الاجابة عن تساؤلنا نحن عما جلبته لنا مآذننا وصلواتنا وصيامنا وحجنا قياما وقعودا وعلي جنوبنا؟ نحن لا نملك اجابة واحده عن جدوي طقوسنا وشعائرنا ومآذننا التي هي وسيلة الاعلام الاولي كبدعة اسلامية. لا نملك إجابة لو سالونا عن جدوي ديننا الحنيف؟ لا نملك ردا، لماذا تكرهوننا في ديانتكم وتسبوننا في خطبكم بعد تجميعكم للمصليين من فوق المآذن؟ سيسألونا لديكم مساجد ومآذن باهظة التكاليف وبكل انواع الزخارف والمنمنمات لكن العدوانية والكراهية ضد من لا يؤمن يالاسلام هي المرادف لكل هذه التكلفة. ولا يوجد تعليم جيد في مدارسكم وجامعاتكم رغم ايجابيتكم في الحياد مقارنة بسلبيتنا. انتم انحزتم لاكبر الكتل المنتجة للسلاح ولديكم اكبر الجيوش والعتاد من كل حدب وصوب ولم تنتصروا لقضاياكم بل كنتم اكبر الخاسرين. سيقول السويسريون، نحن سلبيين لا جيوش لنا بل والدولة الوحيده تقريبا التي لا تملك اساطيل ومع ذلك ننتتج لكم ادق الساعات لضبط توقيت الصلاة لحرصكم وحرصنا ايضا بالا تفوتكم فما حاجتكم إذن للمئذنة اللهم الا التعبئة والتجييش اعلاميا ودعائيا وهو ما سيحتاج الي قوي امن لضبط الخارجين منكم علي القانون، أنتم اكثر تكلفة وخسائركم باهظة. سيقول السويسريون نحن فقراء بعكس ما انتم عليه، اموالكم كلها عندنا تستأمنونا عليها، لثقتكم فينا فنحن خزنة لكم، رغم اننا من الضالين في اعرافكم، فكيف تلقون السلام علي بعضكم البعض ولا ثقة لكم في بعضكم البعض؟ حدودنا الارضية كلها مؤمنة عبر اتفاقات نحترمها ويحترمها جيراننا وانتم لا زلتم تتصارعون علي شبر ارض قاحلة هنا او متر ماء مالح هناك. نحن نحترم ما في عقول كل فرد منا باختلافاتها وانتم عبر المئذنه تريدون اقتحام كل العقول لاصلاحها حسب مقاييس الايمان عندكم. نحن لا فتن دينية او عنصرية عندنا رغم تعدد لغتنا وادياننا بينما كل الفتن والصراعات لديكم رغم قولكم بانكم امة يوحدها الدين واللغة!! ينهاكم الدين الحنيف، كما تقولون، عن القتال والعدوان فهل سلبيتنا اكثر اسلاما من ايجابيتكم في اتجاه بعضكم البعض داخليا؟ تقولون " خذوا العلم ولو في الصين" لكننا رغم قربنا لكم باكثر مما هي الصين فلم تاخذوا شيئا لا من الصين ولا من سويسرا اللهم الا الساعات رغم احتقاركم للوقت؟

نحن لا جامعة اوروبية لدينا يجتمع فيها قادتنا وينفضوا بلا ادني انجاز وليس لدينا تجمع اعلامي مطعم بادارات امنية يجتمع دوريا للتآمر علي عقل مواطنينا. فنحن لسنا اصحاب فكرة المؤامرة لهذا نعيد عليكم السؤال "لماذا تكرهوننا"؟

قياسات حداثية

تمتلئ حياه البشر باقوال ليست كلها صحيحة. فما اكثر التصحيحات في سياق التقدم البشري ونمو قدراته العقلية والفكرية في فهمها لما هو واقعي وحقيقي. اشهر الاقوال الخاطئة جائت من ارسطو الذي ملا الدنيا نورا وحكمة باكثر مما فعلت الكتب المقدسة كلها. ففي كتاب الميكانيكا المنسوب اليه منذ اكثر من الفي عام يقول الفيلسوف الكبير " يسكن الجسم المتحرك إذا توقفت القوة التي تحركه عن التاثير عليه". ظلت هذه الاقوال ومعها اقوال بطليموس عن مركزية الارض اساسا للتفكير حتي دحضها جاليليو وبرهن عليها نيوتن. هذا مثال في عالم الطبيعة ومثلها كثير في الاجتماع والسياسة.
كانت اقوال القدماء التي تعرضت للمراجعة والتصحيح مرهونه لما يسمي الالهام او الوحي. وكانت الامانة تقتضي من القدماء القول ان اقوالهم ليست سوي ممارسة تلقائية وعفوية للمعرفة في سياق انتاجها. فما اكثر النماذج التي تخيلها العقل آنذاك عن الكون الطبيعي او الواقع الاجتماعي وظن انها تاتيه من لدن عزيز حكيم.
طالت مرحلة التامل النظري وانتاج الاقوال والحكم باكثر مما ينبغي واصبحت الاقوال التي يستريح الناس لها، بغض النظر عن صلاحيتها او جدواها، مشمولة بقداسة لا نعرف لها مصدرا، واصبحت الاقوال التي نبذها البشر لانها لا تناسب توافقاتهم الاجتماعية هي رجس من عمل الشيطان يلقي به ابتغاء الضلال. هكذا انقسم العالم في حياه الناس الي عالمين تستخدم ما تم الاتفق عليه لتخرج الناس من الظلمات الي النور والعكس بالعكس. واعتقد الناس ان اقوال ارسطو الخاطئة هي النور عاشوا في رحابه قانعين بفقر عقلهم وبؤس معارفهم حتي انهدمت صروح الجهل وقوضت الاقوال المقدسة والغير مقدسة وخرجت البشرية من هذه الفترة الرمادية الحالكة التعاسة الي نور المعرفة بدون وحي انما عبر التجربة لتصحيح ما غرقوا فيه قديما من فلسفات واديان وعقائد.
الحكمة الحديثة تقول " المعرفة وعلوم الواقع وحكمة البشر لا تصح ولا تتحقق صدقيتها الا من خلال التجربة وتعقلنا لها، كما ان ما هو عقلي صرف او وحي والهام لا يمكن تبريره الا بمدي مطابقته للانطباق علي عالم التجربة" وتلك بالضبط هو ما حققه جاليلو ومن بعده كل من عمل في كل مجالات المعرفة اليقينية داحضين اوهام واكاذيب ومغالطات المعرفة النظرية البحتة. فعندما وظفت الاقوال المقدسة والغير مقدسة وتم حكم اهل الزمان القديم بها لم تتقدم البشرية كثيرا بل ربما تراجعت اكثر. وكان التقدم قرينا وقمينا كلما كان الالتزام قائما بإعادة النظر في كل المبادئ، اما للاحتفاظ بفعاليتها لو ثبت صدقها او ادخالها متحف تاريخ المعرفة لو ثبت زيفها.
أما الاله الجديدة في عصرنا الحديث فهي تزاوج بين عقل شجاع لا يخاف من دحض كل شئ واي شئ وتجربة نشطه وفعالة لا تكذب بل وتصحح للعقل ايحاءاته لذاته او المتلقاه من خارج تصوراته. فهل لابو تمام، لو انه عاد أن يصيغ مطلع قصيدته حيث يقول "السيف أصدق أنباء من الكتب ..... ففيه الحد بين الجد واللعب". كان السيف قديما هو المحدد للصواب من الخطا حتي ان الكتب المقدسة من اولها لآخرها لم تسلم من استخدامه لاثبات صدق اقوالها. كان السيف يهوديا ومسيحيا واسلاميا هو ما تحتكم اليه الجماعة لجهلها في اثبات اقولها الايمانية لهذا لم تنتج الاديان عبر معتنقيها ايه حضارة يحن لها احد او يبكي عليها احد. فالتجربة عندهم هي القتل اي ارهاب من بقي علي قيد الحياه لاعتناق ما يتقولون به. هكذا سادت قيم جماعة علي باقي الجماعات بالتوافق معها خوفا منها وتحييدا لارهابها. مثل هذه النماذج ما زالت تعيش في عصرنا الحالي رغم ان قنابلهم ومفخاخاتهم (سيوفهم الجديد) جائت بطرق نظرية وتجارب عملية لا علاقة لها بآيات بينات او مزامير مقدسة.
أما الحكمة التي يمكن استخلاصها من منهجية التفكير بعد جاليلو فصاعدا تكمن في القول " حيثما تقودنا قضية ما، نظريا او تجريبيا، الي تناقض فاننا نستخلص منها انها كاذبة ونقوم باستبعادها" والتناقض هنا اما منطقي رياضي واما نتائج تجريبية لا تتفق والواقع كحادث السقوط المتزامن لجسمين مختلفي الكتلة. ولن نخوض في هذا المقال في مسلسل التناقضات حتي لا يضيع هدف المقال. لكننا امام اقوال سائده في عالمنا الذي يصلي خمس مرات يوميا ويحج وينفق المليارات علي مطامع الحجاج في جنات وملذات بانانية شديدة بينما يتركون ابنائهم في حاجة الي تعليم فقير في حده الادني مقارنة بباقي الشعوب التي لا تحج ولا تصلي بكل هذه الكثافة القدسية. اين الحكمة هنا حيث يقول الاسلاميون عنها: الحكم ضالة المؤمن هو اولي بها اينما وجدها" اين الحكمة الممكن استخلاصها من منهج التفكير الحديث حيث تزاوج العقل والتجربة؟ واين الحكمة في ادعية وتلبيات طوال موسم حج ذهب اليه اكثر من ثلاثة ملايين مسلم، تاركين ورائهم فسادا لا حل له، وعلي بعد رحلة سفر اقل بكثير مما قطعه أفقر الحجاج، يقتل السعوديين المسلمين مسلمين مثلهم في اليمن في الاشهر الحرم بل وفي موسم الحج؟ فالحرب هي الوجه الحقيقي للفشل السياسي. والعلوم الحديثة اثبتت لنا ان الفشل هو في حد ذاته نجاحا لانه يكشف لنا مدي الغلط والخطا فيما نمارسه في حياتنا، فإذا كانت السياسة في منطقتنا قائمة علي مفاهيم تجذرت بما هو اسلامي او عربي فان تجاربنا لاكثر من خمسين عاما تكرر الفشل تلو الفشل مما يدعونا لاستخدام آخر حكمة اتي بها العصر الحديث والتي نعيد تكرارها بعد صياغتها حيث انها ضالة المؤمن قائلين: " حيثما تقودنا قضية ما الي فشل فاننا نستخلص منها انها كاذبة وينبغي استبعادها".