الاثنين، 19 أكتوبر 2009

النقاب ... نفاية ما قبل الحضارات

النقاب كزي يدعي مرتديه انه يوفر الحماية من خطر ذكوري جنسي جسدي شهواني شبقي. معني النقاب إذن كامن في المكون الاساسي للبشر حيث العري التام من اي غطاء ومن اي دفاعات في مواجهه اي خطر جنسي. انه تعبير عن انعدام الامن منذ اللحظة الاولي للوجود الانساني الحضاري. فأين مكاسب مسارات التطور الحضاري الذي طال المسلمين وغير المسلمين طوال التاريخ؟

وسنبدا بتعريف للتحضر عبر مفهوم الامن تحقيقا وممارسة.
· هو توفير الحاجات باقل تكلفة وبأعلي كفاءة وباقل خسائر عبر صناعتها وتخليقها.
· هو حالة تعاونية يشارك الكل في صناعتها بكامل حضوره الاجتماعي.
· هو حالة قانونية يتساوي فيها الجميع امام القانون الواحد دون تفرقة.
· هو بناء سياسي يكون للجميع فيه اعتبارا بالمشاركة او بالراي.
· هو حالة تنتفي ويختفي فيها الخشونة والعنف بسبب توفر الحاجات الاساسية للتعايش.
المشترك إذن بين هذه التعريفات هو ان التواجد السلمي الآمن دون اي انتقاص لصالح اي طرف أخر فردي او جمعي. فاين موقع النقاب إذن في هذه المنظومة؟

ولأن الانسان ليس سوي راسب تاريخي للمكونات البيولوجية والفسيولوجية والنفسية والاجتماعية والسياسية كل حسب ترتيبها زمانا ومكانا عبر التطور من الصيد الي الرعي الي الزراعة الي الصناعة الي الحداثة الي ما بعد الحداثة، فان تطوره هذا ليس سوي تعبير اكثر مرونة لمدي القدرة علي بناء سواتر امنية او تذويب لاخطار قديمة عبر تشكلات اجتماعية وانماط عمل واطوار انتاج، وفر فيها حاجته التي ينتفي معها الفقر ومن ثم الحاجة وبالتالي الخطر والخوف. التحضر إذن هو مدي تحقق الامن.

لكن الوعي به يختلف بمدي وجوده علي ارضية سياسية تسمح له بحق التجلي لما يعيشه الانسان كل في عصره وليس ما هو مدفون في اعماق لا وعيه. هو إذن ممارسة وليس مجرد هواجس وتوهمات في العقل الباطن. فعندما ينحط واقعه السياسي ولا يجد ظهيرا للحماية تبرز نظم الحماية المدفونه في اعماقه او في لا وعيه الموروث منذ زمن البربريات وفترات التوحش وانعدام الامن بشكل مطلق. فالنظام السياسي المتخلف والجاهل يدفع الي إعادة ابراز كل امراضنا الحضارية التي هي ماضينا وماضي غيرنا ويمنع حق جني وقطف نتائج الانجازات البشرية الحديثة. فلا حاجة بنا لان نعدد مدي رقي القيم الخلقية لدي المصريين القدماء او في بلاد أخري كثيرة ذات حضارات عريقة جائت الاديان العبرانية الثلاث لتردم انجازاتها دون ان توفر بديلا اكثر رقيا مما كان سائدا فيها.

فبعد 1400 عام من التوحيد بالله والصلاة والسلام علي نبيه الكريم واقامة الصلاة وإيتاء الزكاه وصوم رمضان وحج البيت للمستطيع وغير المستطيع او علي حساب الدولة اليه سبيلا، بعد كل هذا فاجأنا الجميع بانهم يتحدثون عن صحيح الدين ويبحثون عنه ويتباكون علي ضياعه عند الناس بينما يدعي المشايخ بانهم له حافظون وعليه مقيمون وبه مفتون.
أخر تقليعات البحث في الصحيح اتت في فزورة النقاب. هل هو من صحيح الدين ام بدعة ام انه عادة او فريضة، بعضهم ذهب الي انه من المعلوم من الدين بالضرورة. وهؤلاء هم الاكثر جهلا وتسطيحا لكل انجازات البشرية. اما بعض المشايخ والفقهاء الاقرب الي التحضر فتساءلوا: هل هو مستحب ام مكروه؟ وافرغ كل من هب ودب بدءا من مشايخ الاسلام والمواطنين انتهاءا الي موزعي انابيب الغاز، افرغوا جميعا ما في جوفهم من آراء بحثا عن شرعية له من نصوص قرآنية او احاديث نبوية. وحاول البعض ممن وقعوا في بيت العنكبوت الديني التملص من اقحام الدين فقال بانه حرية وإختيار شخصي. وابدي اكثر الناس ذكاءا رايا بانه خاضع لتصورات كل فرد عن صحيح الدين. ومع ذلك لم تحل القضية وبدأت المحاكم في تلقي دعاوي متعاكسة كلها عن النقاب.

فبعد اكثر من اربعة عقود من الدعوة للعودة الي الله، أصبح اسلام المصريين عاريا وفاقدا للقدرة علي توفير اي امن للاناث. وقبل الخوض في مسألة النقاب فان سؤالا منطقيا بات ملحا، هل المدافعين أو اصحاب شعار " الاسلام هو الحل" سعداء باسلام المصريين وما يصاحبه من كل هذا الفساد والفوضي والمشاكل شرعية وغير شرعية؟!! والاجابة بالقطع نعم. فالفاسد لا يريد الا فسادا من حوله والا فكيف يمكنه الهروب بافعاله؟
لم يكن هناك نقاب في مصر او حتي حجاب بطريقته الحالية زمن حفلات ام كلثوم وزمن اغاني بتساليني باحبك ليه؟ في هذا الزمن لم تكن الجوامع مكتظة كعلب السردين ولم يكن بها مشايخ بوجوه عابسة مكفهرة وكأن الطيرعلي رؤوسهم. وقتذاك كان معظم الناس حريصة علي اداء صلاة الجمعة وكفي. ومع كل هذا كان هناك خلق رفيع لدي المصريين فاسموه بالزمن الجميل.

مع الاسلمة بدأ الحجاب كغطاء للشعر من أعلي وظلت الملابس القصيرة من اسفل ثم شيئا فشيئا بدات عمليات الاخفاء حتي وصلنا الي اشباح تمشي في الشوارع وصاحبها ايضا اختفاء اهم قيم حضارية واخلاقية عن المصريين. في زمن السؤال عن الحب. كانت الشوارع تعج بفساتين السوارية وما فوق الركبة والصدر المفتوح والشعر المنسدل واجمل التسريحات، كانت معاكسة البنات تجري باجمل الالفاظ واعذبها وكانت تقابل بالابتسامة مع تسريع الخطو دليل الحياء والعفة من البنات. أما بعد الصحوة الاسلامية وزمن النقاب والعودة الي الله فاصبح التحرش والاغتصاب الجماعي مع تسريع الخطو ايضا في اتجاه قسم الشرطة للابلاغ عن فقدان العذرية وسرقة الشنط.
كان المطرب الجميل عبد المطلب يشدو بان حبيبه ساكن في الحسين وهو ساكن في السيدة، ويلومه علي سؤاله لماذا يحبه. اما في زمن التقوي والورع والصلوات الخمس التامة والتصميم علي الحج ولو مات بسببه من انفلونزا الخنازير فان السجون هي الماوي المحاكم هي الملاذ وعيادات ترقيع البكارة هي الامل بعد فتاوي مشايخ صحيح الدين.

في برامج فتاوي علي الهواء وما اكثرها في زمن صحيح الدين نسمع شكاوي كلها عن زنا محارم او سرقة نفقة او خطف ابناء او طلاق معلق ثم زواج سري متعدد الازواج. كم هي متجهمة وعابسة وجوه مشايخ صحيح الدين في هذه البرامج. تاتيهم المشاكل كالماء البارد علي رؤوسهم فلا نجد الا فتاوي كالثلج او كالنار لا تحمي احدا ولا تحل مشكلة. فمن اين أتي النقاب ومن اين اتت كل القيم التي يمكن قياسها كما وكيفا بقدر عدد محاضر الشرطة ودعاوي القضاء ومفساد الاحكام والفتاوي؟
ولو عدنا الي التوراه التي هي اصل الاسلام ومصدر نصوصه (فمصدرهما واحد وانه لا تبديل لكلماته) فان قصة ذهاب يعقوب النبي الي خاله ليخطب إحدى بناته تقول بالكثير. كان يعقوب يعرف مدي جمال الابنة الصغري لهذا اختارها دون اختها... لكنه اكتشف خدعة خاله عندما اختلي بزوجته فاتضح انها الكبري الاقل جمالا. فعاد وساوم الخال ثانية ليزوجه الصغري. وقد كان بعد وعد بدفع المطلوب. هكذا وكما تقول التوراة فقد جمع نبي الله بين الاختين. إضافة الي ان الخال قام بعملية غش باستخدام النقاب وحتي لحظة المعاشرة.

كان هذا قبل الاسلام باكثر من الفي عام تقريبا لكن المشترك في الحالتين ان البيئة الرعوية الصحراوية القبلية هي المشترك بينهما مما يعطي الحق بان القيم الاجتماعية ستكون متشابهة وربما النصوص ايضا حسب ما يؤكده القرآن بانه تأكيد لما هو مكتوب عندهم في التوراة والانجيل.
في الصحراء حيث يفتقد الامن بشكل لا حدود له بدءا من ندرة الماء والغذاء فان تواجد النساء مع الرجال هي حالة اضعاف للقدرة الدفاعية. عن كلا الاثنين. فما ان يتعرض رجل ومعه زوجة او جارية الي غرباء فان رصيده يقل بمقدار ما يجيش في نفوس المغيرين من رغبة في حيازه ما معه من ثروة جنسية. المراة بالنسبة له في هذا الموقف عامل ضعف عبرت عنها الثقافة العربية بانها عورة. اي انها الجزء المكشوف من ضعف الرجل. ولهذا قال المسلمين للنبي اثناء تحريضهم للذهاب من اجل القتال : وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً {13} سورة الاحزاب.
فالموروث الجاهلي الممتد معهم وعندهم هو ذاته ما حاجوا به النبي بان بيوتهم وبالتالي نسائهم وممتلكاتهم عورة لو انهم تركوها وذهبوا للجهاد اي للقتال من اجل نشر الاسلام. ترك ممتلكلتهم ونسائهم مكشوفين ضعف ووهن لان الامن الذي هو صنوان للتحضر لا وجود له. هنا نجد تلازم مفهوم العورة ومفهوم الامن عند هؤلاء القوم، هو يختلف تماما في مجتمعات لا تذهب للحرب أو تمترس العنف كوسيلة لكسب العيش. فالعدو عند العرب دائم الحضور لان الجهاد قائم الي يوم الدين. فواجبات الغزو لبلاد االكفار تتطلب استدامة العورة في الخطوط الخلفية وبيوت المجاهدين. فنسائهم ستظل عورة طالما ان الرجال بحجة فروض العين يداومون علي الحرب للحصول علي الثروات تحت ما يسمي نشر الدين الحنيف. هنا تتطابق قيم مجتمعات الصيد والرعي والبداوة والحرب والجهاد. حيث الامن مفقود بشكل دائم لغياب التحضر.
لكن الامر يختلف جذريا في مجتمعات الاستقرار بالزراعة او الصناعة يختلف جذريا ولا يتفق مع ما جاء توراتيا او اسلاميا. مجتمعات الاستقرار وضعت العدو او قل الاخرين خارج حدود الوطن بينما مجتمعي الصيد والرعي والجهاد المفتوحة للتنقل والامتداد يكون العدو دائما حاضرا وحاملا لعدم الامان بشكل دائم. بهذا تظل قيم العورة وبالتالي محاولة الاخفاء عن الاعين قائمة في عقول وشريعة هؤلاء الناس. وما النقاب سوي ستر اكبر قدر من ثروة الحسن والجمال في المرأه املا، إما في تحجيم وتقليص نوايا العدو الهجومية او امكانية غشه وخداعة لو احتاج الامر للخداع والتضليل. نفي الوطن حيث لا مكان للعدو الا خارجة ينفي قيم العورة داخليا. أما القول بان الاسلام وطنا يجعل الجميع في وضع العورة والضعف.

فقضية النقاب وجعلها اشكالية تطفو كلما ذهبت البداوة والبدائية الي اي مجتمع اكثر رقيا من الناحية الحضارية لزرع قيمها باعتبارها من المعلوم من الدين بالضرورة. بينما التحليل البسيط لتاريخ البشرية يقول بان ما يتم نشره هو المعلوم من البربريات بالضرورة، وهو ذاته السبب في وجود النقاب والحجاب كراسب في الوعي العقلي لهؤلاء الناس علي وجه التحديد لانهم من سلالة ثقافية فاقدة لمعني الامن وامكانية توفره. لكن ما يحير فعلا هو لماذا ظل هذا الراسب قائما عندهم رغم ان النصوص التي آمنوا وعتبروها نافية لقيم جاهليتهم قد نهتهم عن اعتباربيوتهم ونسائهم عورة حتي في زمن الحرب مما يستلزم إخفائها بالنقاب علي طريقة الاجداد تاريخيا وفي زمن يعقوب وخاله.
هنا سنعيد قول "رالف لينتون" شيخ الانثروبولوجيين القائل بان ظهور جين وراثي جديد اسهل كثيرا من تبدل او تغيير قيمة ثقافية موروثه. لقد فك الرجل اللغز، لان نفس النص الذي نفي قيمة العورة ولو مؤقتا لصالح الحرب لتؤمن موارد وثروات مجلوبة أعاد وثبت الحجاب او النقاب فيما بعد نافيا القول القرآني السابق فقال في آيه الحجاب: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن" 31 سورة النور

فرغم ان الالفاظ المستخدمة لا تفي بقدر من الفهم الدقيق لمعني الشعر او الرأس او اي شئ مما هو متعارف عليه حاليا لتغطيته الا ان الفهم الجمعي لهؤلاء الناس ومعهم جمهور من المفسرين والفقهاء الغافلين عن اي علوم انسانية او بيئية جعلوا النقاب هو المقصود بهذه الايه. وكان استدعاء الجين الثقافي منذ الجاهلية بوتيرة سريعة اثناء التفسير والشرح هو ما سيدفع بمزيد من الارتباك والفوضي والعجب من امر هؤلاء الناس ونصوصهم المقدسة.

فكيف يكون الاخفاء في زمن الحرب شريعة للبداوة الجاهلية مع نفيه اسلاميا حسب الاية الاولي ثم يستعاد مع الاعتبار لدونية المرأة كعورة في داخل المجتمع المسلم الذي يعج بالمؤمنين الاتقياء الخاشعون والذاكرون له قياما وقعودا وعلي جنوبهم المفشون و الملقون للسلام بغزارة حسب الاية الثانية؟
كيف يكون الامن المفقود بالضرورة زمن الحروب والجهاد هو ذاته الحاضر في مجتمع الامان المسلم حيث يفشي فيه الجميع السلام ويسود الورع والتقوي، ورجاله كالبناء المرصوص، واهله خير أمة اخرجت للناس. ألآية الثانية اقرت بوجود التحرش حاضرا الي الحد الي ان يعاد الاختباء مرة اخري من وراء حجاب علي طريقة الجاهلية العربية او البربريات الاقدم تاريخا. اما السؤال الاكثر الحاحا هو: هل لو ساد الاسلام الذي هو دين السلام سيجعل من العدو حاضرا دائم من اجل نص لا نعرف حقيقة هل تم نسخها ام أعيد لها الاعتبار لاننا قبلنا العروبة بجذورها الجاهلية؟
وماذا عن التعريفات عن معني التحضر الواردة في اول المقال وهل تحقق ايا منها اسلاميا علي سبيل المثال وليس الحصر عبر ثقب اسلامي واحد اسمه النقاب.

الجمعة، 9 أكتوبر 2009

اليونسكو حائط مبكي الوزير

لا اعرف علي وجه الدقة لماذا ذهب فاروق حسني الي انتخابات التصفية في باريس لرئاسة اليونسكو. بل ولماذا تم ترشيحه. من المفترض انه خبير بالعقلية الغربية، لانها ليست وليده اللحظة فقد عاصرها السيد الوزير زمن اقامته في باريس وروما أيام الحرب الباردة وهي ذاتها التي تشكلت منذ عصر الثورة العلمية الثانية مع بدايات القرن الماضي وتاكدت واثريت في النصف الثاني من ذات القرن. اي اننا عاصرناها علي مدي قرن كامل وازدادوا تسعا من هذه الالفية. فاليونسكو مؤسسة عالمية وليس دكانا للبقالة يمكن ادارته بالاهواء وعلي طريقة صاحب المحل. اليونسكو مثل السيارة او الطائرة كل لها قوانينها الخاصة الحتمية مهما كانت مهارة السائقين.فمنذ وقعة الابتزاز لحرق الكتب في مجلس الشعب تحددت نتيجة انتخابات اليونسكو. فكان الترشيح ثم التصميم علي الفوز يبدو غير منطقي في العقل الاوروبي والعالمي. ولو كان هناك احد في مؤسسات الحكومة المصرية ويملك حسا بما يجري عالميا وكيف تشكلت ذهنية الانسان في القرن العشرين لنصح الرجل بالانسحاب. لكني وعلي ما اعتقد بان الجميع تركها للمشيئة وقوانين الغيب حسب ما تري ثقافة الشارع المصري بثقافته الغيبية فربما تاتي الرياح بما تشتهي الترشيحات. فلا يعلم الغيب الا الله.فالمؤسسة في العالم الحديث تدار بقوانينها الذاتية ولا ضروره لرئاستها الا بقدر وجود عقل متزن ناضج وغير ممروض عصبيا ونفسيا علي قمة ادارتها. لكن واقعة مجلس الشعب المصري اوضحت ان ذهنية فاروق حسني هي انفعالية لا تملك التوازن الكافي والسيطرة النفسية المطلوبة حتي ولو كان المثير الخارجي ممكنا إحتماله. فما بالنا والدين هو الضحية في اتهامات العضو الاخواني المتأسلم. فكما يختار الافراد للمهام الخطرة بناء علي مواصفات علم النفس والسلوكيات فان خيارات الوظائف الكبري تجري علي نفس المنوال.ذهب حسني ومعه كثير من الابداعات والمبادرات (حسب قوله) ليجتاز الانتخابات، وهو أمر مطلوب و ضروري، مثلكا كان في جعبة المرشحين الآخرين لما هو اكثر، فما اكثر ابداعات اوروبا. وكان علي المرشح المصري ان يستعرض الحياه الشخصية والفردية والسلوكية لباقي المرشحين قبل ان يجازف بالاستمرار في المسابقة. فلن يعدم احد المبادرات ولن يتوقف العالم عن الابداعات لكن تبقي المواصفات الشخصية والذهنية والعقلية للمرشح فاصلا في الاختيار. خاصة وان السيد فاروق قادم من عالم العرب والاسلام الموضوع في قفص الاتهام عالميا.قدم عضو الاخوان المسلمين في مجلس الشعب استجوابا للوزير بوجود كتب اسرائيلية في مكتبة الاسكندرية تسب الاسلام ودين الامة. وكان موقف الوزير معروفا للجميع فتطوع برد فعل عصابي وانفعالي بانه لو وجدت هذه الكتب لكان اول من يحرقها. مما استدعي الاعتذار فيما بعد الترشيح عما بدر منه كرد علي النائب الاسلامي. جاء الاعتذار بعد ان قدمته الحكومة المصرية مرشحا للمنصب. وكان الاعتذار بمثابة وضوء مما لحق به من نجاسة في عرف العالم وليس الاسلام الذي احتقن الوزير دفاعا عنه. فمدير اليونسكو الافتراضي والمرشح للمنصب رسب في امتحان القبول للترشيح فبل ان ترشحه الحكومة. فاصبح عضو جماعة الاخوان مندوب إسرائيل في إختبارات كشف الهيئة علي الوزير. فاليونسكو ليس في خدمة الاسلام او اليهودية انما هو خادم للتراث العالمي باجمعه دون تفرقة.رسب الوزيرالفنان والمبدع في كشف الهيئة في مجلس الشعب المصري، لانه كان مهموما بصورته امام رجل الشارع وامام الجماعة المحظورة كمعارضة مفتعلة (virtual opposition)، رغم ان من مواصفات المبدع الا تكون عينه علي المتلقي او المشاهد او القارئ أو المستمع، فالمبدع لا علاقة له بشباك التذاكر او بعدد زبائن الدكان ومدي توفر السلع التموينية. الابداع يقع في منطقة بعيده عن حسابات المكسب والخسارة، فحسني فنان، حسب إدعائه، ويعرف تماما هذه الامور. فهل وجوده في حكومة المليارديرات والطائرات الخاصة وتجارة السيراميك قذفته بعيدا عن الفن والثقافة، فكان الانفلات والبعد عن رد فعل عقلي رصين ورزين متوازن وقوي هو من المواصفات التي لا ترتضيها الاختيارات الدولية للمناصب العالمية؟فما ان اتهمه الاخوانجي حتي انتفض المستوزر (مصدر ميمي لوزير) بالتطهر والاغتسال من تلك التهمة باستخدام النار رغم ان الوضوء اسلاميا بالماء. لم يتمالك الوزيرالمحتقن اسلاميا نفسه ولم يسعفه قول القرآن "هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" فالمكتبة مفتوحة للجميع. ولم تسعفه قدراته الادارية (كمدير مستقبلي لليونسكو) قولا بانه سيعود للمسؤول عن المكتبة وهو موظف، وكان مرشحا، تحت إمرة للوزير للسؤال بحثا عن مدي صحة المعلومات. لم يرد الوزير بما هو اكثر تعقلا بالقول انه لو هناك كتب اسرائيلية فهذه ليست سبه ولا تهمة حتي ولو كان بها نقدا للاسلام، فالاسلام ايضا ينقد باقي الاديان ولن يرحمنا احد لو بقينا علي هذا الحال. مثل هذا الرد كان قمينا بوقف الانحرافات الفكرية والثقافية في عقل رجل الشارع والتي تغاضت عنها الثقافة المصرية الحالية بوزارتها، فجعلت الشارع المصري يخطو نحو النموذج الطالباني ولو علي مهل. لم يختلف الوزير كثيرا عن رجل الشارع ذو الثقافة المتواضعة أو صاحب دكان البقالة بمواد تموينية اساسية، فذهب الي حالة هياج ديني له اسبابه في اداء الوزارة، التي تخلت عن حاضر الثقافة في مصر وعن مستقبلها أيضا في عالم العولمة والانفتاح.لكن ما يثبت الطرح السابق هو رد الفعل الانفعالي العصابي الزائد عن الحد فى التعامل مع نتائج الانتخابات بعد العودة. كان من المفترض لمن فشل في الانتخاب الا يقوم بمهاجمة لجنة الامتحان مثلما يحدث عند ضبط طالب ببرشامة. آثر السيد الوزير هذا السلوك وهو الدليل علي التفسير السابق. كان من المفترض ان يدرك الرجل ان الرسوب له اسبابه بدون اللجوء الي نظرية المؤامرة. لكن نظرية المؤامرة العربية من السهولة والبساطة والسطحية وتجد لها رصيدا ضخما في الذهنية الانفعالية والعاطفية الشرقية وهو ما اعتمدت عليه السياسة المصرية لاثبات صدق توجهاتها علي مدي نصف قرن وازادادوا تسعا ايضا. أما معالجة الأمور بالعقل والمنطق وحدهما فلم يرتق اليه احد في حكومتنا ولو كان فنانا.كان ولابد من اللجوء إلى العقل قبل وبعد الترشيح وقبل وبعد الانتخاب. فالعقل يجبرنا بان ندرك مدي خطورة منصب مدير عام اليونسكو، وغيره من المناصب الدولية، فهي تخضع برمتها لقانون التقدم الحضاري، بما فيها من كل اساليب الصراع والابداع. فبعضها مكتوب ومتفق عليه وبعضها شفاهي مضمر في الاعراف والسلوكيات بين الامم . فإذا كانت عملية الانتخاب هي تسوية للصراع باقل قدر من العنف مثله مثل العملية الديموقراطية في ادارة سياسة كل مجتمع، فإن العقل والمنطق وليس الانفعل او العاطفة هي اول ما يتقدم من اسلحة في الحلبة. أما نكون صرعي نفسيين او مصابين بحالة من الهوس والصرع الديني في تعاملنا مع بعضنا في الداخل قبل وبعد الترشيح وقبل وبعد الانتخاب فلا معني لاي وجود لنا علي الساحة الدولية اللهم الا إذا كانت هذه رسالة باننا في حاجة الي علاج وليس لقيادة طائرة او حتي بسكليت بثلاث عجلات.يندرج السلوك الانفعالي العصابي ضمن امراض علم النفس. فالتصرفات المتضاربة والمتعاكسة فيما بين المواقف ذات الصفة الواحده من اهم مظاهر ذلك العقل. وهي ليست جريمة بالمعني القانوني انما حالة ذهنية مرضية تحتاج الي صبر ورفق. فاصحاب هذه الحالات لا يدركون معني التعامل مع واقع منضبط بقوانين لا تقبل الخطا لكنه يخطئ بالضرورة لان ما بداخله من هواجس واوهام ورغبات مكبوتة لا تعرف كيفية التعامل بعقل سوي مع هذا الواقع. من شاهد فيلم 451 فهرنهايت لادرك مدي الحالة المرضية لمؤسسة مدنية كاملة اسمها هيئة المطافئ العامة في تلك البلده. أصبحت وظيفتها اشعال الحرائق وخاصة في الكتب وليس اطفاء الحرائق ولو كانت في الممتلكات العامة والخاصة. أما الوزير الفنان فصرح بانه سيحرق الكتب ولم يحرق شيئا، فأدان نفسه وسلم نفسه دون فعل يؤاخذ عليه. لكن من ذا الذي يثق في اصحاب الحلات الانفعالية؟ فمثقفي مصر العقلاء معرضون للمطاردة ويدفعون ظلما اثمانا باهظة لانهم ارتكبوا ابداعا. لكن الوزير حمل نفسه وزرا بنية الفعل وليس الفعل. فالمشايخ والمعارضة الاخوانية تلوح بحرق الكتب، لانهم مشايخ. فهم معذورون. لكن أن يرقص الوزير علي توعداتهم فتلك ثالثة الاثافي. وفي رحاب اليونسكو ارتكب وزرا آخر بغير قصد ايضا فقد اعلن انه تنويريا عندما دافع عن كل الكتابات التي أعتبرتها مؤسسة 451 فهرنهايت المصرية بكل امراضها مستحقة للحرق بينما هو وزير ثقافة ليس بيده حتي من جردل ماء لاطفاء اي حريق!!!!!!. صحيح انه دافع عن ابداعات الكتاب والمفكرين المصريين لكن هؤلاء الكتاب مطاردون من نفس المعارضة المفتعلة الـ (virtual opposition)، بل ويدفعون من جيوبهم ثمن برائتهم مثلما هو الحال مع الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي وحلمي سالم. هو لم يساهم في إطفاء حرائق الشارع المصري الحقيقية داخل عقل المواطن بتثقيفه، بقدر ما ذهب للدفاع عنها امام اليونسكو ومعه تهمة حرق كتب غير موجوده.يقول فرويد ان الواقع، عند اصحاب الهذيان العصابي، مقلوب راسا علي عقب فيتم التعامل معه علي هذا الاساس, واقعا مفتعلا (virtual reality) بفضل ثقافتنا التي لم يغيرها الفنان. هكذا ترك المرشح الشارع المصري بدون ثقافة وذهب يدافع عما ادانه جمهوره ومعه تهمه الشروع في اشعال حريق فيها. لم يكن الوزير الفنان والحكومة السنية الا ضحايا واقع مقلوب إفتعلوه حفاظا علي اخلاق ليست من معايير هيئة اليونسكو ومعارضة مفتعلة تكره الوزبر والابداع والفن والثقافة. فما هو تعريف الجنون اللهم الا إذا كانت العوالم في نظرنا نحن العالم الثالث كلها مقلوبة بما فيها اجراءات ومواصفات خيارات اليونسكو التي ليست مفتعلة. كانت هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في فيلم 451 فهرنهايت متهمة فعلا وقولا، نظريا وممارسة لانها تعرف ماذا تريد، حرق الكتب. لكن حسني ذهب ومعه سجل حافل بالنوايا الغير حسنة مع غياب ذهني لاكثر من عشرون عاما عن حال جمهور عريض في حاجة ملحة الي ثقافة جيده، لم توفرها له وزارته، فلم يلقي كتابه بيمينه في يوم الحساب .

عن زيدان ومفهوم الجزية

كتب يوسف زيدان الحاصل علي شهادة الدكتوراه مقالا في جريدة المصري اليوم بموقعهاhttp://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=226739&IssueID=1537
د. يوسف زيدان يكتب: أسرار الخلاف وأهوال الاختلاف تحصيلُ الفلوسِ بالجزية أو بالمكوسِ
كتب مقالا لا يجوز ان يخرج من باحث واكاديمي وروائي مثله. المقال ذكرني بما يمكن ملاحظته إذا ما وقف شخص امام صالون حلاقة او كوافير نسائي. تدخل اليه صاحبات الشعر العث والجمال المتواضع لتخرج بعدها مقبولة علي مضض شرط عدم المساس بكل ما وضع عليها من مساحيق واصباغ. فلا ياتي صباح اليوم التالي حتي تعود الامور الي ما كانت عليه. فما بالنا وهناك 1400 عام منذ اول اصباغ بدائية وضعها السلف الصالح منهم والطالح.أزعجت فكرة الجزية وتكرارها علي الانترنت د. زيدان فقرر فتح صالون خاص به بهدف حلاقتها من تراث العرب والاسلام. ظنا منه بانها محاولة للحصول علي شهادة اخري بجانب شهاداته الاكاديمية ليدخل بها اتحاد الحلاقين العرب.بدأ مقالة، اقصد تصفيفه راس الضحية، باستخدام اقوي انواع المطهرات والمزيلات لامراض اللغة العربية ومعاني الفاظها فافتي بان ما يذكر مؤخرا هو فهم جديد للجزيه. فكم من الحلاقين بعد ان تعييهم الحيل في تصفيف انواع من الشعر الردئ يلجأ الي وضع باروكه او شعر صناعي وفي اسوا الاحوال يقوم بحلاقة علي الزيرو لرأس الضحية أو استبدال الراس بالكامل. وهذا بالضبط ما جري فقال :" الجزية.. الخراج.. المكوس.. الضرائب.. الرسوم! هذه كلها مفردات لا شأن لها فى الأصل بالدين، إسلاماً كان أو غير إسلام ". !!!!بهذا أشاح الاكاديمي بوجهه عن اصل حكم الجزية واستخدم المقص ليلغي آيه كريمة ضمن آيات الذكر الحكيم وهي الآيه 29 من سورة التوبه. ولعله معذور في الاستخدام السيئ للمقص ، فهو حاصل علي الدكتوراه ولم يقبل بعد في عضوية اتحاد الحلاقين، مدعيا انها ارتبطت زورا بالفتح الاسلامي بمصر. وهنا نذكر الدكتور بما جاء في امهات الكتب "فتوح مصر واخبارها" لابن عبد الحكم بتقديم محمد صبيح للكتاب وطباعة مؤسسة دار التعاون حيث كتب صـ 47 أن ابن العاص دخل علي ابن الخطاب فخلا به وقال " يا امير المؤمنين إئذن لي ان اسير الي مصر فان فتحتها كانت قوة للمسلمين وعونا لهم وهي اكثر الارض اموالا واعجزها عن القتال والحرب "هكذا كانت الصورة في ذهن ابن العاص اموالا وعجزا وعونا له. وفي صـ 66 جاء ان ما جمعه ابن العاص من جزية بلغ ثمانية الف الف دينار. اي ثمانية ملايين دينار بمعدل دينارين عن البالغ وليس علي الشيخ او الطفل او المرأة من شئ. وتلك كانت من عادات الجاهلية العربية التي اضافها الاسلام الي قواعده. راجع جواد علي العرب قبل الاسلام. وهو ما يعني ان تعداد مصر وقتها كان حوالي 16مليون نسمة لان البالغين من الذكور الشباب كان فقط اربعة ملايين لو اضفنا مثلهم من النساء البالغات والاطفال والشيوخ. وفي صـ 65 ان ابن العاص لما فتح مصر قال لاهلها " من كتمني كنزا عنده ثم قدرت عليه قتلته". تصفحنا كل المخطوط فلم نجد ولو لمرة واحده جلسة لابن العاص مع المصريين يعظهم ويحكي عليهم فضائل الاسلام لكننا نجد النية المبيته لحيازة الاموال والتهديد بالقتل لو اخفي احد امواله عنه.لكن الاخطر هو في الرسائل المتبادلة بين عمر ابن الخطاب و عمرو ابن العاص. فالاول كتب اليه يقول " بلغني انك فشت لك فاشية من خيل وابل فاكتب لي من اين لك ذلك المال ... ". فكونهم مبشرون بالجنة ربما شجعهم علي استحلال اموال الناس، مثلما سياتي الحديث عن موقف عثمان. بل ان المساجد لم تنجو من تلك الافة فمواد بناء المسجد كان اما من احجار الاهرامات بعد خلعها وهدم الاهرام الصغيرة السهلة علي المخربين للحضارة وكذلك الاعمده التي اخذت من المعابد والكنائس بعد هدمها.لم يسأل امير المؤمنين ابن الخطاب، المتهم بالعدل، عن حال الدعوة الي الاسلام وكم عدد الذين دخلوا الدين الجديد انما كان يسال عن الثروة وكيف حجبت عنه. ولم يصدق امير المؤمنين رد عمرو بن العاص الذي نفي اختلاس جزء لصالحة من الاختلاس العام للتصدير خارج مصر. فارسل اليه محمد ابن مسلمة ليقاسمه المنهوب الخاص من المنهوب العام. هكذا كتب المقريزي فيقول ان حكام مصر منذ ابن العاص وحتي عصرالمقريزي في القرن الخامس عشر كانوا يحوزون ثروات طائلة لا حصر لها. بعد ابن العاص جاء ابن ابي سرح قريب عثمان ابن عفان عملا بان الاقرباء اولي بالمعروف وبالتالي بالاقتراب من مصادر الثروة لجعلها في خدمة الجماعة الوظيفية بفرعيها في الامصار وفي دار الخلافة. فلما درت اللقاح باكثر ما كان يدرها ابن العاص انبسطت اسارير ابن عفان وكتب لابن العاص ان اللقاح قد درت من بعدك يا عمرو. ومعناه ان الخير الوافد عليه قد زاد من بعد عزلك ، فرد عليه ابن العاص بان فصالها ستهلك. بمعني أن قريب عثمان ابن عفان لم يترك شيئا للابناء حتي يعاد الانتاج في الاعوام التالية. اي ان النهب لم يبقي شيئا لصالح ابناء مصر.لم يكن الوضوح والشفافية بين من رضي الله عنهم من الصحابة والموعودون بالجنة بهذا القدر من الشفافية بقدر ما كان الامر متعلقا بالاموال والثروة والسبي والغنائم والجزية. لهذا تذكر كتب التاريخ قول الخليفة معنفا الوالي علي ارض مصر بانهم خزنه له. لم يقل انهم دعاه لهم بل خزنة لهم!!!!!!تناسي صاحب صالون الحلاقة ان الجزية كانت موجوده في الجاهلية العربية وورثها الاسلام ونقلها السلف صالحا كان او طالحا الي كل بلد تم غزوه عسكريا. ولم يتحرك له ضمير او حس اكاديمي او ديني او حتي ثقافي فحاول نزع الادانة للفظ لانه وحسب وقوله : " من الجهة المقابلة (الإسلامية) لا يتضمن أى إدانة..". فقطعل الجزية والذمية ليست إدانه لمن يتعيش عليها ومنها. ولا يمكنه ادانتها الا إذا ادان اخلاقة وعاداته واعرافه وخلقه. هكذا حاول الدكتور وعلي وجه السرعة اعادة زرع الشعر بعد ان تم قصه في ذات الفقرة وإغراقة بكل انواع الجيل والدهانات. الم اقل انه اكاديمي مصري من زمن تردي جامعات مصر بامتياز لكنه لم يحصل بعد علي عضوية اتحاد الحلاقين. فلم يتمكن من زرع الشعر بعد قصه واعادته الي سابق وضعه لضعف خبرته في مهنته الجديدة.بعد فشله في اول ضربات المقص والموسي في راس الضحية هرب مباشرة الي مساحيق الوجه انتظارا حتي تندمل الجراح التي سببها في الرأس. وحتي تقبل الضحية العمل في الوجه بعد الفشل في الدماغ عرض لها صورتها في لوح زجاجي مدعيا بانه مرآة من نوع فاخر ملصق بها صورة لعارضة الازياء الالمانية "كلوديا شيفر". فصدقت الضحية الخدعة وتركته يمارس اكاديميته في الحلاقة والتزيين. فجاء بالفاظ الجاهلية العربية وسلوكها الذي مارسه العرب اسلاميا واعاد لها الاعتبار في زمن الاسلام مصدقا نفسه بان المرآة من نوع فاخر وغير مغشوشة. لم يدرك د. زيدان انه يستخدم الاسلام (حاشا لله) لتمرير ابشع انواع الجريمة باعتبارها شهامة وبطوله. فلو انه عرف تاريخ المنطقة لادرك انه هو ذاته كان ضحية هذا السلوك فهو من وطن يعرف الاستقرار والامان ولا يعرف نهب الاخرين لان نمط الانتاج والعمل بالارض ينفي العدوانية ونهب الاخرين. وحتي يمرر ويبيع اردأ انواع المساحيق فقد اقام معملا خاصا لضخ معاني متضاربة علي الفاظ متشابهه والعكس بالعكس حسب ما يقول به فقه لغة الضاد. لكنه كدارس للفلسفة كان من المفترض ان يكون للفظ ودلالته معاني محدده لا تقبل التاويل أو التوهيم او الغش والا فما الفرق بين المنطق والخرافة. فالفتح هو غزو والغزو هو فتح كلاهما عمل عسكري بهدف استعمار البلاد ونهبها والاستيلاء علي السلطة وحكم اهلها. لهذا يتم فرض الجزية اي اخذ ثمن الابقاء علي حياه المواطنين كإتاوة او كثمن للابقاء علي دين المغلوبين. وهو لا معني له الا بان المؤمن الاتي بقوة السلاح اصبح بلطجيا، يتعيش علي أموال الاخرين بابقائهم كفارا. بل من الافضل طبقا لهذه القاعدة الجاهلية الا يدخل احد في الاسلام ولا داعي لدعوة الناس اليه لضمان استمرارية الدخل (الجزية). هنا يصبح اهل دين عالة علي اهل دين آخر.اما محاولة تمييع لفظ اهل ذمة التي صكت عربيا واسلاميا فإنها موجوده ولها تاريخ طويل قبل الاسلام. فالاسلام بزغ في بيئة عربية تعرف الغزو والنهب بين القبائل كوسيلة ونمط حياه. فكثير منهم كان يلجا لمن يمكنه توفير الحماية شرط دفع ما يلزم لهذه الخدمة. فاصبح الضعيف في ذمة القوي. يدافع بعضهم عن بعض لقاء ثمن متفق عليه أو يحارب نيابه عنه كالمرتزقة. فليس صحيحا ان الذمة هي الامان إنما الذمة هي عقد إذعان مدفوع الثمن من طرف لطرف آخر مقابل الحماية. فهو مجتمع ياكل فيه القوي الضعيف، ولا امان الا بشراءه بالاموال ممن يمكنه الحماية لقوته. وفي احيان اخري يتم الابتزاز بالتبرع بتوفير الحماية لقاء دفع اتاوة سنوية. وفارق كبير ان يكون هناك مجتمع يعيش فيه الجميع بامان وتحمي في الثروات والاملاك بالقانون وسلطة الدولة وبين مجتمع الكل فيه عرضة للنهب فيتم شراء الامن تحت مسمي ذمه. لهذا فان الذمي له وضعية دونية مزدوجة مقابل الطرف المعتدي والطرف الذي يحصل الجزية للدفاع عنه. فهو مشروع ضحية للاول وضحية حقيقية للثاني. الوضع الدوني والذليل هذا لم يقدر مؤرخي وفقهاء الاسلام انكاره ففي تفسير الطبري يقول الرجل مفسرا الاية (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة عَنْ يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ) قَالَ : أَيْ تَأْخُذهَا وَأَنْتَ جَالِس وَهُوَ قَائِم . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة عَنْ يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ } عَنْ أَنْفُسهمْ بِأَيْدِيهِمْ يَمْشُونَ بِهَا وَهُمْ كَارِهُونَ ، وَذَلِكَ قَوْل رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس مِنْ وَجْه فِيهِ نَظَر . وَقَالَ آخَرُونَ : إِعْطَاؤُهُمْ إِيَّاهَا هُوَ الصَّغَار.أما ابن كثير فقال: وَهُمْ صَاغِرُونَ " أَيْ ذَلِيلُونَ حَقِيرُونَ مُهَانُونَ فَلِهَذَا لَا يَجُوز إِعْزَاز أَهْل الذِّمَّة وَلَا رَفْعهمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَلْ هُمْ أَذِلَّاء صَغَرَة أَشْقِيَاء كَمَا جَاءَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَبْدَءُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِالسَّلامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدهمْ فِي طَرِيق فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقه. انتهت اقول كتبة السير والاخبار.ونحن بدورنا لن نحكم او نصدر احكاما فذلك تاريخ ونحن ابناء زمن آخر وتاريخ مختلف، بيننا وبينهم تراكمات حضارية لاكثر من الف عام. ونعيش، كما كنا نعيش في ذات الوطن الذي لا يعرف الغزو والسلب او الجزية قبل ورود الاسلام. ولا معني للدفاع عن اي وافد الا بقدر ما يتفق وحضارتنا وليس ترديد ما قالوه هم عن انفسهم ولو كان من خارج اي نسق حضاري معروف ومقبول اخلاقيا.فكيف يجرؤ السيد زيدان علي القول بانها، أي الذمة ليست أمرا مذموما، ربما انه لا يري الانتقاص في وضعية دافعيها والاستعلاء من جهه محصليها. او ربما هو من سليل من حصلوا الجزية ويخجل من قوله ذلك فبات يدافع ضمنيا عن وضعيته. فالجزية لفظا ومعني لها وضعها التاريخي قبل الاسلام ولم ينتقص او يضيف اليها الاسلام شيئا. فما تعارف الناس عليه هناك هو ذاته ما تعارفوا عليه بعد الاسلام. اليس القرآن هو النص الوحيد الذي فهمه الجاهليين العرب لفظا ومعني ودلالة. كتبها عميد الادب العربي شارحا كيف أن أهل الجاهلية ادركوا وفهموا نصوص القرآن. فهو النص الموثق الوحيد عن الجاهلية العربية وليس الشعر الجاهلي كما ادعي العرب. فالقرآن جاء ليخاطب الجاهليين حيث لم يكن هناك سواهم في جزيرة العرب. لهذا فان الاستشهاد بالمتنبي أو اي فحل شعري جاء بعد الاسلام لا يعتد به اللهم الا إذا كان ناقدا وليس مؤيدا بعكس ما فعل المتنبي الذي استشهد به السيد زيدان.من خصائص اللغة العربية ظاهرة القلب اي ان يحمل اللفظ معنيين متضادين او ان تقلب حروف الكلمة ويبقي المعني ثابتا وملاصقا للفظين معا. وكمثال كلمة "مولي" فهي تعني العبد والسيد في وقت واحد، فالله هو نعم المولي ونعم النصير. والمولي هي ايضا العبد. لهذا فقد استخدمت ذات اللفظ "ذمة" بالمعني الذي يتناسب وكل بيئة وكل مجتمع. الذمة عند العرب اتت بكل ما سبق شرحه من وضع دوني يوجب دفع الاتاوة. لكن المصريين الذين لا يعرفون هذا النوع من التربح لان العمل والانتاج يعفيهم خلقيا من هذه الدلالة فانهم استخدموا المقلوب الدلالي لها بمعني "ضمير" او اعلي ما في الانسان من ذات. هنا وقع الاكاديمي في خطا لانه لم يدرك انه اثناء كتابته المقال أنه في صالون الحلاقة وليس في مكتبة البحث. فاستحلاف فرد لفرد عندنا ياتي بالسؤال "بذمتك" اي "بضميرك"؟ وهناك معني آخر وهو الاستحلاف بالعهد مع احد البلطجية الذي هو عهد الامان، اغلي ما يحرص عليه الضحية حفاظا علي حياته. انها ارض فجر الضمير وليس فجر الاتاوة. لكن ما العمل وهناك من لغي اسمها وقال بانها عربية وقاد بها الامة المهزومة فازدادت هزيمة وتحلل وانحطاط.الذمة إذن امر وضيع لان من يعطيها لا بد وان يكون صاغرا ومكرها عليها وذليلون حسب قول ابن كثير والطبري فيما سبق. اليس كذلك يا أوسطي زيدان؟ وهنا ناتي لامور ذكرناها سابقا في مقالات كثيرة وطالب بها كثيرون بتنقية التراث من كل تناقضاته. فكيف يمكن الجمع بين شرط الوضعية "صاغرون" ثم التوصية كما جاء بالقبط اي بالمصريين في الحديث ؟فالذمة بمعني الضمير إذا ما أخذ بها د. زيدان تلزمه بحل الاشكالية. اليس كذلك؟ وكان يمكنه القول بان الذمة التي هي مذمومة (هذا اشتقاق منها لان العربية لغة اشتقاقية بمعني ان الذمي مذموم من الفعل "ذم" علي وزن ضرب مضروب وكتب مكتوب. انها المصدر الميم ايها الاكاديمي المخضرم) هي من ضمن مخلفات الحكم بالدين وباعراف العصور الوسطي وما قبلها ولا يمكن قبولها في عصرنا الحالي وان ذكرها علي لسان مرشد الاخوان هي سبة في جبينه يحاسب عليها حتي ولو كانت في جبهته زبيبه بحجم البطيخ او لحيته بطول نصف متر. وكان من نتيجة الاستعراب (من العروبة) والتاسلم (من اسلمة) لقرون طويلة بالحكم بالدين عبر كل من يستولي علي السلطة من اجل تحصيل الجزية فاننا بتنا جميعا مسلمين ومسيحين اهل ذمة للعثمانيين والمماليك والايوبيين والفاطميين وكل افاق زنيم جاء تحت مسمي الفتح. وما زال السؤال القديم قائما حيث لم يتقدم احد للاجابة عليه لماذا اتي السلطان سليم الاول (غضب الله عليه) ليغزو مصر وتاتي الادبيات الاسلامية لتقول بالفتح العثماني؟ اليس من الاجدر مطالبة رجب طيب اردوغان الوارث لاسلام سليم الاول بتعويضات عن دماء المصريين مسلمين ومسيحين؟بعد اختفاء العرب من التاريخ منذ خرجوا منه بفعل الخليفة العباسي المعتصم الذي اسقطهم من ديوان الاعطيات (219 هـ) ثم في زمن الايوبيين في مصر عندما قضي عليهم صلاح الدين الايوبي بالسلاح ليحل مماليكه محلهم اصبح المصريون جميعا (مسلمون ومسيحيين) يدفعون جزية وهم اصحاب ارض. فالعرب اورثوها للمماليك الغرباء. فالوطن واهله اصبحوا مذمومين في عقل كل من لم يتورع من الغزاة وكل من استولي علي الخلافة بقوة السلاح من استباحته علي التوالي لان اهل الذمة اذلاء وصاغرون. لم تتحمل النفوس خارج الوطن فكرة الذمة بمعني الضمير لكنهم تبنوا فكرة الذمية بمعني التحقير والاهانة لانهم لم يروا منه الا بما يحصلوه منهم من اتاوة – جزية. ولتراجع اقوال عمرو ابن العاص عن مصر وانت العارف باصول الكتب وامهاتها ولا تخلط بينها وبين اصول الحلاقة وتجميلها. فبعد تصفيات العرب لبعضهم البعض فان المصريين شانهم شان الشعوب المستقرة منذ فجر التاريخ تمسكوا بالارض حتي ولو تم دفع الثمن تحت ظروف غير انسانية ابقاءا لتماسكها ووحدتها ووحدتهم عليها. فالثروة واساس تراكمها من اهم اسباب النهضة. لكن التخلف والجهل والفقر وهبوط تعداد السكان الي حده الادني هو ما جري علي المصريين بفضل النهب المستمر باسم الجزية، حتي قضي محمد علي نظام المماليك فاستقرت الامور وبدا الانتعاش بالحفاظ علي الثروة داخل الوطن بدلا من النزح اولا باول باسم المقدس. كان ياكلها الغرباء ممن لا يشاركون في صنعها ويحرم منها من قام بانتاجها. يستبيحها بلطجية التاريخ ويشجعون المزيد من البلطجية من اجل إعادة الفتح. فهل يجوز الدفاع عن تلك الاساليب وتبريرها تاريخيا الا بكونها من مخلفات العصور البربرية.لكن ومع سقوط نظام الجزية حديثا فقد ظل مفهوم التقسيم الديني للمصريين، وبكل اسف، قائما والحقت به كل مفاسد التاريخ الاسلامي وكل المهانة بالاقباط. بل وهناك من يخدع نفسه ويدعي انه من الاشراف او من المستوطنين العرب ليعطي لنفسه حقوقا علي اهل البلاد باكثر منهم ومتعاليا عنهم مثلما فعل مصطفي مشهور المرشد العام السابق للارهابيين. غير واع بانه هو ذاته كان ضحية للجزية. ولان تعليمه ديني اكثر منه تنويرا وعلما فقد آثر البلطجة وتحقير المصريين بالاهانة لان الذمة عنده ليست من مشتقات الضمير، فأن كل شئ في ذمته وزمة من جاء بعده لا يستحق سوي لفظ "طظ".

الجمعة، 2 أكتوبر 2009

زمن الاغبياء الجدد

آلت مجموعة الدول الاسلامية، فيما يفضل البعض تسميتها بالامة، آلت اليوم الي أحوال عامة من التدنيٍ والانهيار في كثير إن لم يكن كل مجالات الحياة فيها. فالافكار السائده إما علي لسان نخبها أم جماهيرها تقترب من الخرافة منها الي العقل والمنطق. فكثير من تلك الاقوال تكون محلاة بايات قرآنية او باحاديث نبوية حتي يمكن تمريرها الي عقل المتلقي. أما علي صعيد ما يجري من ممارسات عملية وفعلية فلم تتحلّ باي سلوك قويم . فالقضاء الذي هو قمة البناء الاجتماعي فإن به مفاسد تشوهات حقوقية إعترف بها اصحابها. فالمقاييس التي يحتكم اليها الجميع اصبحت من خارج الواقع فكل صوت يجأر من الفساد ويرتفع مطالبا بالاصلاح يقابل بمقولة شديدة البلاهة بان الفساد في كل مكان وليس حصر علينا. وهي حجة تؤدي مباشرة الي مزيد من الفساد اي مشاركة العالم (الفاسد من حولنا) فيما هو فيه سادر. وتاتي النتيجة المنطقية لمقولة غير منطقية تحتم علينا الانتظار حتي يتوقف العالم من حولنا عن ممارسة الفساد وبعدها سينصلح حالنا تلقائيا. مثل هذه الامور تؤدي الي قناعات تتغول في مزيد من المغالطة وخلط الصالح بالطالح حتي تستمر الامور علي ما هي عليه. في ظل مثل هذه المناخات يجري وضع قواعد جديدة تمارسها السلطة وتضرب بها عرض الحائط للعادات والتقاليد والأعراف التي تآلف الناس عليها، فتؤدي الي مزيد من التدهور الخلقي والتربوي مروراً بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية المنحطة مع فقدان الأمن وفقدان الشعور بالأمان، وفقدان العزة والكرامة والشعور بالفخر، وشيوع الفقر والذل والهوان.
في هذا المناخ الشديد الغرابة نجد كل دولة من دول التجمع الاسلامي تبكي على أمجادها العظيمة، وكيف كان ماضيها براقا. يجري هذا بدون اي خجل عبر نخب تمت رشوتها لتؤدي دور الكذابين والمضللين إعلاميا في برامج مدفوعة الاجر بسخاء. هذه النخب تؤدي ادوارا اقرب الي ادوار الارجوزات في السيرك أو البغبغانات في اقفاص الطيور. فهم يعنفون جمهور الناس لانهم ابتعدوا عن الله، وان ضعف ايمانهم هو سبب كربهم. لكنهم لم يتطرقوا بالمثل الي ايمان رجال السلطة الذين يروجون للفساد بما فيه فسادهم هم كاعلاميين او دعاه إسلاميين جدد. لم يقل ايا من هؤلاء البغبغانات الدعوية انهم يمارسون الدعوة في مجتمع مسلم فما فائدة دعواهم؟ اللهم إلا إذا كان الدين قد انهار، لكنهم لم يسالوا كيف ينهار الدين وعدد الدعاه يقرب من اعلي معدلاته في تاريخ هذه المجتمعات ومعه ينتشر الفساد بنفس سرعة تزايدهم هم. هنا يتم زرع مفاهيم هي اكثر فسادا من كل ماقيل. فعندما تصدر حجج تبرر الفساد بالابتعاد عن الله فان النتيجة المنطقية في عقل المتلقي تلقي به مباشرة الي القاء اللوم علي من هم مبتعدين عن الدين او عن الله حسب قناعته هو بما هو الدين ومن هو الله في ذهنيته الخاصة. ولان الخطاب الموجه لهم هو خطاب اسلامي في المقام الاول فإن الاتهام يوجه تلقائيا الي غير المسلمين بكل اطيافهم. هكذا تتم شيطنة المسيحيين والنصاري واليهود ومعهم العلمانيين واليهود واللادينيين والملحدين. وفي اسوا الحالات يضاف اليهم كذلك من يفرط في صلاته او صيامه لو انه محسوب ظاهريا علي الاسلام. لهذا تم القبض مؤخرا علي من يفطر في شهر رمضان في اول عمل غير مسبوق في تاريخ مصر. فالخطاب يجري علي طريقة "إنها من علامات يوم القيامة"، "حاسبوا قبل ان تحاسبوا"، "الحل بالعودة إلى دين الإسلام العظيم"، "اين نحن من زمن السلف الصالح" و"غياب القرآن كدستور لنا كان سبباً لذلنا وهواننا بين شعوب الارض". كل هؤلاء الكذابون المضللون لم يقولوا انهم كانوا خارج التاريخ والانسانية قبل ان تستخرج لهم الولايات المتحده النفط. وان معظمهم او كلهم كمحميات بريطانية او فرنسية كانوا يتقاوضون مرتبات من الحاكم العسكري لها.
فالمسلمون اليوم لم يخرجوا من عزلتهم الا بفضل الاستعمار غير المسلم، ولكنهم خرجوا لا يعرفون شيئا عن العالم ولا حتي عمن كان يقيم اودهم في فترة الاستعمار، فاحتضنوا الاسلام مجددا ولم يقولوا ان المنطقة كلها التي حكمت بنظام الخلافة الاسلامية لم تستطع الصمود بنظامها الاسلامي في وجه العالم الخارجي بغض النظر عن ديانته او إلحاده.
قام العالم الاسلامي من غيبوبته بفضل الاستعمار ليكيل السباب الي كل من لا يؤمن بالدين الحق. ولم يسالوا انفسهم ولماذا استعمرونا ونحن علي الدين الحق؟ فالمستعمر الكافر الذي أحكم قبضته على البلاد والعباد ولاذ بالخروج ومنحهم الاستقلال هو نفسه الذي مولهم بالاموال والتكنولوجيا لتفخيم الاصوات الحنجورية في ميكروفونات الايمان. كانت جنود الاحتلال في كل مكان لكن بعد الاستقلال اصبحت كثافة جنود السلطات اغزر وقمعهم اشد. علّم الاستعمار المواطن قول الحق في المطالبة بالاستقلال والتظاهر ضده (ذلك لانه استعمار). لكن السلطات المؤمنة وجنودها من اصحاب اللحي أورثوا ابناء زمن الاستقلال الكذب علي الذات وطي وكتمان الحقائق، والخوف والذعر من الحاكم وزبانيته. باكثر مما كان زمن الاستعمار.
ما لم يقله السادة من زاعقي الميكروفات الايمانية ان نظام الخلافة الاسلامية العثمانية مثلا ترك مصر ليستعمرها الانجليز الغير مسلمين في العام 1882، رغم تحصيلهم الجزية التي يدافعون عنها عقائديا بانها للدفاع عن امة الاسلام. فهل دافع النطع العثماني القابع في الباب العالي عن مصر ام انه ساوم عليها؟ وعندما ذهب ابراهيم باشا والي مصر الي الشام لتحرير مسيحيها من جور الحكم العثماني الاسلامي قابله هؤلاء الدعاه بانه كان يهدم الاسلام. فهل الحكم بالجور والعسف حسب شكاوي الظلم من سكان لبنان وسوريا من الاسلام في شئ. ام اعادة الافساد والترويج للفساد هو سنة هؤلاء الدعاه الذي يقول احدهم بانه يريد إحداث نهضة في برامج مدفوعة الاجر بسخاء ولا تحمل كلماته اي مضمون او حقيقة تاريخية واحده صادقة.
يقول الدعاه تبريرا لواقع الحال ولتبرئه المستقبل المظلم الذي يروجون لمجيئه " أن الله يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء" هكذا سحبوا البساط من تحت قدمي الشعب قبل ان يبسطوه لهم. فمصالح البشر بهذا القول بعيده عن يد ومتناول الجمهور. فالرسالة المضمرة في هذا القول ان الحكم ليس بيد الشعب واختيار الحاكم ليس من صلاحيات الناس. وبالتالي فإن كل ما يجري في النظم الديموقراطية المنتصرة علي نفسها وعلي اعدائها هي فساد وخروج علي الملة والعقيده. هكذا يتم ضرب نضال البشرية لالاف السنين من اجل الديموقراطية بحقنة كورتيزون ايمانية واحده تسبقها البسملة وتليها الحوقلة. فإذا كان الفساد كامنا في عدم محاسبة الحاكم او السلطان علي افعاله وان توليه السلطة ليس بيد أحد منا، فلماذا تانيب الناس علي فسادهم، والاغرب انهم يستشهدون بالقرآن لاعادة انتاج عدم المحاسبة مع تفضيل خيار مفهوم الاذعان!!!!
هنا يتضح بجلاء واضح كيف ان اقوال مثل "القرآن دستورنا" او ان "الاسلام صالح لكل زمان ومكان" وكل الفاظ البروباجندا الدينية ليست سوي استعادة وتوليد مستمر للفساد. وكم تكون كفاءة الفساد لو انهم تباكوا علي زمن الخلافة الذي كان يردد هذه الاقوال ثم اعادة انتاج ذات الواقع المتردي والمهين الذي ادي بالاستعمار لاحتلال معظم البلاد التي تصلي خمس مرات يوميا وتصوم شهرا كاملا ولا تعرف كيف تختار حاكمها او كيف تدافع عن نفسها.
فأصحاب هذا المنهج الديني، هم في الحقيقة حفاري قبور، إنهم لا يدركون ما يفعلون. يغازلون جهل المواطن فاقد المواطنة ويتباهون بالدين كالطاووس لكن لا يعلمون ان من يراهم من باقي بلاد العالم يحكم عليهم بقبح السلوك وجهل الهدف وغباء الوسيلة.
فالجهل المتاصل لديهم عن السياسة لا يقل عن جهلهم بالتاريخ وبالعلوم الطبيعية والاجتماعية. أكثرهم إن لم يكن جميعهم لا يستطيعون التفكير بالمنطق ومقارعة الحجة بالحجة فالفهم عندهم مشروط بوجود ايه في كتاب الله تعفيهم من إعمال العقل. غاية مرادهم هو وضع نهاية لكل مخالف دون ان سألوا عن صورتهم هم في مرآة هذا المخالف؟ ولو جاء اسلامي مستنير مثل جمال البنا الذي عاصر ما جري بمصر لحوالي 80 عاما من كل انواع الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ياتي هؤلاء الافسال من الدعاة الجدد ليلحقوا به كل عيوبهم وصفاتهم ودعواهم التي لا تخرج عن فقه المراحيض ودورات المياه بكل قذارتها.
يعمل هؤلاء من داخل الأقطار التي ينتمون إليها، بالتنطع علي عقل المواطن وجعله متهما في عقيدته لكنهم لا يتطرقون الي فساد نظامهم السياسي الحاكم للجميع لهذا لا يجدون من حل إلا بتاييد نفس النظام مع جلد الموطن دينيا وفكريا وعقليا. بهذا نكتشف لماذا يرضي عنهم كل نظام. إنهم معه وليسوا ضده هم زراعه وليسوا نقاده. وبذلك نكتشف ان ما يقال ان الصحوة الاسلامية او العودة الي الله هو استعادة لكل نظام استبدادي غير ديموقراطي في حياتنا بفضل هؤلاء الذين يملؤون آذاننا بكل هذا الغثاء باعتباره الدين الصحيح.
المصالح الشخصية لهؤلاء الدعاه خط أحمر. فلا ينبغي سؤالهم عما في حوزتهم من ثروات لانها وكما اوهموا العامة تاتي بسبب اقوالهم المحلاة بالايات البينات. و يسير هذا الخط الأحمر جنباً إلى جنب بالتوازي وربما بالانطباق التام مع رضى نظم الحكم. اي رضا الفساد عنهم.
الدعاة مقربون من قلوب وافئده الحكام العرب المسلمين. إنهم حملان وديعة في اتجاه السلطة وحيوانات بمخالب وانياب في مواجهه المواطن، هم من وكلاء ومتعمدي توزيع الجهل بالاجر السخي يقولون انهم من العلماء بينما هم من الجهلاء.
أكثر ما يتردد على افواههم آيات القرآن التي يتوعد بها الله الكافرين، كما لو ان كتاب الله قد تحول بين ايديهم وعلي لسانهم الي قانون عقابي يعج بالتهديد والوعيد وليس كتاب رحمة. تلك الرحمة التي باتت غريبة علي الاذن لطول عدم سماعها منهم. توعدهم للبسطاء من الناس ياتي عبر آيات مثل "أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا" و”وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ، يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ، فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُون" و "يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُول، وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا" الغريب أن الاية الاخيرة تنطبق بالكامل عليهم، الم نقل انهم بغبغانات لا يفقهون.

أخطارنا كامنة في عقيدتنا

هل يمكن للمسلمين ان يصلحوا من ذواتهم؟ هذا هو السؤال الاكثر الحاحا علي العالم أجمع بما فيه المسلمين انفسهم. ربما كان العنوان "هل يقدر الاسلام ان يصلح ذاته" اكثر تعبيرا عما يجول في خاطر اي فرد مهموم بمستقبل المسلمين ومستقبل علاقتهم بالعالم المتقدم. وقبل الخوض في الموضوع فلنستشهد باقوال علماء الانثربولوجيا أمثال "رالف لنتون" و"هنري مورجان". فهما يؤكدان انه ليس بوسع اي فرد او اي جيل أن يكرر بدقة سلوك اسلافه، الامر الذي يؤدي دوما الي ظهور تعديلات وتغيرات ثانوية بشكل دائم ومستمر. حتي ولو كان من الممكن حصر هذه التغيرات في اضيق الحدود بما تمليه امكانيات كل فترة وكل بيئة فانها في النهاية تتعرض لتغيرات اساسية تودي بكل قديم فلا يبقي منه سوي ما نطلق عليه نحن الان فلكلورا شعبيا. ولهذا يبدوا كثيرا من الطقوس الفلكلورية غريبا عن حاضر الواقع لكن التمسك به وإعادة انتاجه وحفظه وتوريثه هو عملية وسواس قهرية للراسب الذي لا نعرف له مصدرا في أعماق ذواتنا.
التنظير لهذه الاقوال جاء فيما قدمته النظرية التطورية الثقافية التي تتشابه ولو من بعيد بالداروينية الاجتماعية الفجة التي حاولت تطبيق مبدا البقاء للاصلح البيولوجية علي المجتمع الانساني.
فالاسلام كنسق ثقافي بشكله الخام حيث النصوص والسير والاحاديث يصعب التعامل معه بأدوات العقل الحديث. فمشاكل النص القرآني كثيرة اوضحها يكمن في التضارب بين بعضها البعض وبينها وبين الاحاديث مما حدا بالبعض ان ينفي صحة الحديث برمته رهبة من سقوط الاسلام بكليته. ولن نخوض طويلا في هذا الامر لكن قليل من الحديث فيه ربما ينشط قريحة من رهن نفسه الي تماسك افكاره وتناغم نصوصه. فالاسلام في جذره يطالب الناس بالعبادة لفرد احد صمد لا يتم الترميز له سوي بانه ليس كمثله شئ. وهذا كاف لبلبلة العقل المتلقي لاننا في حقيقة الامر افراد، فيأخذ كل علي عاتقه تصوره حسب مخياله وحسب مصالحه وحسب ثقافته، وايضا حسب امراضه. فاعباء العبادة كثيرة وتستهلك قدرا غير يسير من الوقت والطاقة المتاحة لاكثر الشعوب نشاطا فما بالنا والحالة العربية الفقيرة اصلا وفي حاجة لكل طاقتها ووقتها للحاق بركب الحضارة والتقدم. كان الاسلام مشغولا من البداية في محاولة التخلص من المشركين او من لا يؤمنون. ذلك هو الهم الاول له علي الارض، فسخر المسلمون الاوائل بقيادة سلفهم الصالح كل طاقتهم لتحقيق ذلك الهدف. وزادت أعباء المسلمون آنذاك وإضيف لما ليس في طاقتهم وتصاعدت الامور رويدا رويدا ليضاف الي قائمة الاعداء اهل الكتاب حيث بات قتالهم واجبا شرعيا وقمعهم الي حد دفع الجزية ثمنا وفداءا لحياتهم. ظل هذا الامر كراسب تاريخي في اعماق الذات المسلمة بعد ان جرت تغيرات ثانوية كثيرة وتراكمت الي ضرورة القبول بالتعايش ليس فقط مع اهل الكتاب بل والمشركين والملحدين والوثنيين.
لكن هذا الراسب المعطل عن العمل بفضل عدم منطقيتها لكل زمان وكل مكان عاد عبر الاصولية ليقوم بذات الفعل القديم باعتباره وسواس مكبوت في اعماق النفس المسلمة. ففي حديثين في قناة الجزيرة في برنامج لقاء اليوم قال مصطفى أبو اليزيد موجها خطابه للامريكين في الحلقة المذاعة بتاريخ 21/6/2009 بما نصه:
"ونحن ندعوهم من الآن إلى الدخول في الإسلام فإذا دخلوا في الإسلام انتهى القتال بيننا وبينهم أبدا فإذا لم يدخلوا فنحن إن شاء الله سنسعى لإقامة دولة الإسلام والخلافة الإسلامية ثم ندعوهم من جديد إلى الدخول في الإسلام فإن دخلوا فالحمد لله وإن لم يدخلوا فنفرض عليهم الحكم الإسلامي وعلامة ذلك دفع الجزية وإن هم قبلوا بذلك فأيضا يقف القتال بيننا وبينهم وليس ذلك على الله بعزيز، فإن لم يوافقوا على كل ذلك فالقتال سيكون بيننا وبينهم، هذه خطة الإسلام في السلام مع الأميركان ومع غيرهم ونحن لا نظن أنهم سيوافقون على ذلك فلذلك على أمة الإسلام أن يتخذوا هذا الطريق طريق إعداد القوة والجهاد في سبيل الله عز وجل". ثم اضاف في نهاية البرنامج ما نصه:
"يعني نحن نعتقد بما قال به النبي صلى الله عليه وسلم "وجعل رزقي تحت ظل رمحي" فكلما جاهدنا كلما فتحت لنا أبواب الرزق من حيث لا نحتسب ويأتينا بفضل الله من الأموال التي يعني تمشي العمل، وإن كنا نحتاج إلى المزيد من هذه الأموال حتى تكون النكاية أكبر في أعداء الله عز وجل ولكن الحمد لله الدعم يأتي لنا من طرق مختلفة والناس والمسلمون يعني يحبون القاعدة ويحبون أن يجاهدوا من خلال القاعدة سواء كان بالمال أو بالنفس، فالأمور تمشي ولكن نرجو المزيد من أمة الإسلام".
وفي حلقة البرنامج بتاريخ 24/2/2009 يقول مختار روغو أبو منصور المتحدث باسم :حركة شباب المجاهدين":
"الله سبحانه وتعالى بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالسلاح، يقول صلى الله عليه وسلم بعثت بين يدي الساحة بالسيف حتى يعبد الله وحده، وذكر النبي عليه السلام أن رزقه جعل تحت ظل رمحه، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، فالسلام من أفكار الكفار وليس من هدي المسلمين، إذاً وضع السلاح وتركه هو دعوة الكفار وبوش وهذا أمر لا يقوله مسلم ولا عالم، لن نضع السلاح بل ندعو إلى تسليح أكثر، ولم تهز هذه الأمة ولم تغلب إلا عندما تركت سلاحها وركنت إلى الدنيا، يقول الله تعالى ..وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ..[النساء:102] وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدي السلاح لمن لا سلاح له، ووضع الرسول سيفا ثم قال من يأخذ هذا السيف؟ فطلب الجميع وأراد كل واحد أن يأخذه ثم قال مرة أخرى من يأخذه بحقه؟ فخاف الصحابة ووقف أبو دجانة وقال أنا آخذه بحقه يا رسول الله، فأخذه وعندما سئل الرسول ما حقه؟ قال أن تضربوا به الكفار".
ولان أحوالنا ليست مستقيمة وتطورنا ليس خطي وحياتنا لا زالت تعمها الفوضى والوساوس وكوابيس الماضي، فان القرضاوي الذي يفخرون بأنه "وسطي"، يقول في حلقة الشريعة والحياة، بتاريخ 30/1/2005:
"لا يجوز لأحد أن يعطل حرية الإنسان ولكن للأسف الناس اُبتلوا بالذين يقيدون حرياتهم والذين يتحكمون في مصيرهم، الناس ابتلوا بالاستعمار والاستعباد من الخارج وابتلوا بالطغيان والاستبداد من الداخل فقيدوا حرية الإنسان الدينية وحرية الإنسان الفكرية وحرية الإنسان المدنية وحرية الإنسان السياسية ومن أجل ذلك يعني قًاتْل الإنسان من أجل حريته، الإسلام نفسه قاتل من أجل توفير الحرية للناس يعني القرآن يقول وقَاتِلُوهُمْ الوثنيين الطغاة قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ وفي آية أخرى ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ معنى تكون فتنة يعني إيه؟ لا يُضطهَد أحد من أجل دينه".
فالتغيرات الظاهرية رغم ثبات واشتراك المضمون والمسكوت عنه في النصوص الاربعة المذكورة اتت اساسا وحصرا في اللغة (ثروة العرب الوحيده) حيث اضيفت كلمة حريه والتي لا نجدها إطلاقا في القرآن والسنة. وضعها القرضوي كحلية وديكور لتمويه الامور علي المستمعين لكنه سرعان ما وقع اسير راسبه التاريخي المكبوت داخل ثقافته الجهادية.
هكذا ارتكزت الاصولية والاسلام السياسي، حديثا، علي ما يشغل الناس بالحرب إبراءا للذمة من استحقاقات التحول من الفكر البدائي الي مستويات اكثر مدنية انخراطا في مبدأ العمل والانتاج وتشكيل مجتمعات أكثر رقيا من الناحية الانسانية. ولسنا في حاجة لنذكر كم عدد المرات التي قال فيها مشايخ الاسلام بكل انواعهم ان الاسلام دين الرحمة ويستشهدون بالاية " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ " وهو ما يفتح باب التضارب الذي نوهنا عنه في بداية المقال اللهم الا إذا كانت الرحمة ايضا قد اختلفت في المضمون وتراكمت عليها التغيرات إما لانتقالها من مجتمع لا يعرف الرحمة الي مجتمعات أخري بدلالات جديدة واما لان الاضافات طالت كل شئ بما فيها النصوص.
طبع مفهوم الاستعمار الثقافة الاسلامية زمن غزو العرب لكل ما ليس بعربي وتحول كثير منهم الي مغامرون يراهنون علي معركة هنا او هناك لوضع اليد وفرض الجزية عملا بالنص، ولم يختلفوا كثيرا او قليلا عن اي مستعمر او مغامر في اي زمن وفي اي مكان. هنا يمكن مقارعة وضعهم من هذه الزاوية بما جري بعد خروج كولومبس بسفنه قاصدا الشرق عن طريق الغرب. فما اكثر المهاجرين الذي اعتبروا انفسهم مبشرين لهداية البرابرة سكان القارتين الامريكيتين وغيرها في المستعمرات الجديدة. ففي الحالة الاخيرة اصبحت تلك المجتمعات الجديدة قوة عظمي ومصدرا لافكار وعلوم ومعارف وفنون لم يعرفها العالم القديم. فاللغة فرضت هناك مثلما فرضها العرب هنا. أما ابدعوه لذواتهم بات العالم أجمع عاجز عن الاستغناء عنه، ليس فقط في مجال التكنلوجيا والعلوم إنما في مجال الدساتير ومناهج الفكر وعلاقات الانسان بالانسان مدنيا. وظل المكبوت لديهم ايضا قائما مثلما هو قائم داخل النسق الاسلامي وهو ما نجده مؤخرا في محاولة نفي العنصرية المتهم بها عضو الكونجرس الامريكي الجمهوري في قوله بان باراك اوباما كاذب في معرض الحديث عن التامين الصحي. فرغم ان الدستور الامريكي لا يميز في اللون او الدين او الاصل او العقيده إلا أن فكر العبيد والاستعباد قائم في اللاوعي لديهم. الاضافة الحقيقة فيما بين عالم الاسلام والعالم الغربي هو القدرة علي الحديث دون مواربة او تمويه لان القدسية سقطت في الغرب بينما فكرة اقامة خلافة اسلامية تنطوي في اساسها علي عدم الحديث عن تناقضات الاسلام مع ذاته ومع باقي الشعوب الغير اسلامية لان نص الاسلام الاول غير قابل للتعديل او الحذف بالاضافة او الخصم أو حتي النقد لانه نص مقدس قابع علي العقول ولا فكاك منه بينما الفعل والعمل علي واقع اراضي العالم الجديد والقديم رسخا قيما من الحرية قابلة للنمو وللنقد وللتجاوز دون أي قدسية أو "تابو".
أتى التاسيس الراسمالي، كمخزونا معرفي وممارسة واقعية، بنقيضه في اقوي مراحله بأرض المستعمرات. أدى لان يأتي بنقيضه الاشتراكي ليس بشكل تلقائي او اوتوماتيكي إنما عبر صراع الافكار التي تاسست عليها الانسانية الحديثة وخاصة في مراحلها المتقدمة المتزامنة مع الثورة العلمية والصناعية الكبرتين. لكن عالم الاسلام والمسلمين ظل في بياته الشتوي كامنا ولم يحقق اي تقدم في عالم الافكار. رغم الحراك الاجتماعي والسياسي ومعها التغيرات الحتمية كضرورة يفرضها الواقع حسب اقوال علماء الانثروبولوجيا، لكن المشكلة انه لا نص جديد يتفق والعقل الحديث سوي نص القرآن القديم.