السبت، 30 يناير 2010

نظامنا في القرن الجديد

يصارع الشرق الاوسط ذاته محاولا العلاج من امراض كثيرة لحقت به من جراء العروبة ثقافيا من جهه وسياسيا من جه اخري. ولنبدا بالسياسي لكونه ممسكا بتلابيب كل مجتمع علي حده وينادي بالعروبة رغم انها المرض الواجب الشفاء منه.

يتعامل النظام السياسي علي جبهتين الداخلية والخارجية ولم ينجح في ايا منهما لسبب لم يعد خاف علي احد الا وهو الدين. فالدين، بطبيعته، لا وجود مادي له يمكن التعامل معه بموضوعية، انما هو اقوال بشر تمت بها السيطرة علي عقول لم تكن لها معرفة عميقة بمعني الوجود او قوانينه. أما بالنسبة للخارج فهو سهم طائش يصدر من داخل المنطقة ليبطش بمن في الخارج اجتماعيا وحضاريا هدما للعمران وتفتيتا للنسيج الوطني في دول علمانية مدنية في اسس تكوينها الحديث. قديما، سقطت روما بالمسيحية وخضع حاكمها لاقوال البسطاء المظلومين من جراء نظامها العبودي. لكنها وبعد السقوط جرت اوروبا باكملها الي عصور الظلام. ذات الامر في الاسلام عندما اجتاحت القبائل العربية بدون اي مبرر كل مناطق الشرق الاوسط. وبكلمات اخري، فإن الدين بالنسبة للعالم خارج وداخل الشرق الاوسط هو عامل هدم وليس بناء.

الترويج الدائم للدين عبر الاعلام الذي يتحكم فيه النظام السياسي المشترك في كل دول المنطقة تمتنع معه انطلاق القدرات الفردية وتحقيق حد ادني من التنمية القائمة علي التشارك بالمساواه التامة في الحقوق والواجبات بين ابناء الوطن الواحد. وهذا هو الفارق بين أوروبا بعد انتفاضها من قدرها المسيحي وبين الشرق القابع في ظلام العصور الوسطي. إضافة الي ان الامساك بتلابيب الدين الاكثر انتشارا يحول المنطقة بشكل دائم لقنبلة قابلة للانفجار الطائفي في اي لحظة، هي ذاتها اللحظة التي يجد النظام العربي ذاته مأزوما في لحظة اشعالها تامينا لنفسه بحجج الحفاظ علي ذاته المفرطة والمفرطة في حقوق المواطنين مهما كانت دياناتهم، مغامرا بتعريض السلام الاجتماعي والوحده الوطنية وسياده القانون والمساواه والعدالة بين المواطنين الي الخطر. فالدولة تحت مثل هذا النظام لم تبحث بجدية في خلفياتها التاريخية التي اوصلتها لحالها الراهن. لكنها اعتمدت موروثها القروسطي في تعاملها داخليا وخارجيا الملئ بالفتن الدينية. فهي لم تعد تعبأ بما يهدد بنية الدولة من داخلها، بعد ان قلل الفكر القومي العروبي والاسلامي من دور الفرد، ولم يعتمد شكلاً حداثيا من أشكال الوحدة الحديثة، وعليه فقد امعن في السفك بحقوق المواطنة والوطن لصالح ما يجعل الانفجار الطائفي ممكنا.


ولان النظام العربي لا يريد الخروج من مازقه لاستفادته من المأذق ذاته فقد تمترس وراء ثلاث دوائر هي الوطنية والقومية والاسلامية. لكن المثير للسخرية ان كل نظام حاكم يتشبث في الوطن ويتاجر بالقومية والاسلام. وكما قال احد دهاة السياسة بان "الوطنية آخر ملاذ للاندال" فقد تم اللعب بالقومية والدين ويبقي النظام يدافع عن الوطن حتي ولو تبني اجنده الدين والقومية الوافده عليه. لكن ولان الوطن ليس له سوي اكثر من ملاذ للاوغاد فلن يفعل به هؤلاء باقل مما فعلوه عندما عاثوا فسادا باسم القومية والدين في كل الشرق الاوسط فيما سموه بالامة قوميا مرة واسلاميا مرة أخري. فالوطن اصبح وكرا للخارجين علي القانون او منصة اطلاق كالتي تقيمها حماس لجباية شرعية باسم ما يسمي مقاومة لصالح الامة!!!!


التوفيق بين ثالوث الوطنية والقومية والدين مستحيل في اي مكان في العالم. فكل وطن ليس سوي اكثر من عده هويات عرقية تم تذويبها، ويجمعهم اديان متعدده حتي ولو تضاربت الهه كل دين. لهذا فان الوطن بمدنيته هو الحل الوحيد علوا فوق الفروق التي لازال يحلو لبعض السفهاء استغلالها لفك اوصال اوطان اوروبية حققت رفاهية وامن ومواطنية لكل سكانه مثلما نسمع عن محاولة شق سويسرا الي ثلاث دول من منصة اطلاق من شمال افريقيا.


مصلحة النظم الحاكمة في الشرق الاوسط لا تقوم علي استغلال قوي المواطن الفكرية والعقلية والعضلية وكذلك عمل مؤسساته المتعدده مع استغلال أمثل للمصادر الطبيعية وما توفره البيئة من ثروات إنما الادعاء بانه القادر علي حماية الامن القومي والوحده الوطنية وامن المواطن والدفاع عن الدين والعقيده. وبكلمات واضحة هو يتبني ويدافع عن كل التناقضات وحواف الدم داخل كل وطن برعايتها وليس بابطال فعاليتها. فاستغلال الدين المتمسكين به ويوجهونه دعاية وترويجا، بيعا وشراءا، بعمل فتن طائفية لكفيل ببقائهم بحجة الحفاظ علي امن الوطن والمواطن بعد ان فقدوا كل الاوراق في ملفات الامن القومي العربي للمنطقة. قبل ذلك اتوا باكبر هزيمة في تاريخ البشرية في حرب يونيو الشهيرة عندها سقط البعد القومي. الان يتلاعبون بالدين ولن يكون الامر مختلفا في نتائجة لان اللاعب هو ذات البهلوان بامكانياته العاجزة علي نفس الحبال التي سقط منها سابقا.


المشكل الاكبر في مسالة استخدام الدين انه سريع الالتهاب اينما وجد، لهذا يتم تصديره الي الخارج في اوطان تخلصت من الارث الديني بكل تخلفه وعنفه وعدم تلبيته لطموحات الانسان. هكذا تضع النظم حدود الدم والدين وخلق جبهه ساخنة بين ما هو اقليمي وعالمي.


ولان النظام العربي الاقليمي لا ارث حضاري له سوي ما في جعبة العروبة من ثقافة سياسية او معرفية فان الضحالة والجهل هو ما يميزه عن باقي النظم في العالم. فلم يدرك النظام العربي الحكمة البسيطة القائلة بان "ما تصنعه يصنعك". جهلهم الفادح اوصل اليمن ان تصبح حاضنة لكل انواع التناقضات الايديولوجية في اعلي مراحلها الفكرية (كالايديلوجيا الماركسية في الجنوب) متضاربة ومتصارعة مع احط وادني التشكيلات القبلية البدائية في سلم التطور الحضاري الانساني وكلها تجري برعاية نظام عربي تحت قبه جامعته ويجمع كل شئ في جعبته لكنه كالحمار (مع الاعتذار لهذا الحيوان المسالم) لا يدري بما يحمله علي ظهره حتي ولو كان الماء وهو يعاني من العطش. الامر الذي ادي الي ان تصبح ارض هذا البلد حاضنة لاحط انواع الفكر الديني السلفي ممثلا في الارهاب الاسلامي الاصولي. انها تكرار ممل لتجربة الصومال والجزائر والسودان.


يختلف نسيج كل وطن عن الاخر في الشرق الوسط، بل ان تاريخية كل منها تختلف جذريا في نشاته واصوله وكيفية تعامله وقبوله للاسلام. فالاخير هذا (وقت تاسيسه) حمل كثيرا مما لا يصلح للمجتمعات الاكثر تقدما حضاريا لهذا (وبعد دخوله اليها) تشكلت بيئات حضارية كل منها يحمل ما يناسبه. ورغم ذلك ظل النظام العربي يردد اقوال الارهاب الاسلامي بان هناك وطن اسلامي واحد يسمي دار الاسلام اقام له مؤسسات كمنظمة المؤتمر الاسلامي لتضم من ليس بعربي، فيه تركيا وباكستان واندونيسيا وايران واوطان افريقية وآسيوية لا تنتمي للعروبة اللهم الا بقدر ما ينطق به القرآن صوتيا. فاكثرية مسلمي دار الاسلام من العجم وتسوده خياراتهم بما يصلح لها من قيم الاسلام الخام الذي وصلهم سابقا. فمثلما تشكل ما اصبح يسمي وطن عربي يختلف باختلاف مكوناته الحضارية تشكل عالم اسلامي يختلف باختلاف مدي قبوله ما يناسبه مما في الاسلام. فالتململ، علي سبيل المثال، من تعدد الزوجات دفع تونس التي حسبت علي التجمع العربي والاسلامي ان تعيد النظر في مفهوم التعدد الزواج قانونيا. وفي السودان الذي يضم اكثرية من العجم الزنج اخذت المعارضة السياسية باصوليين سابقين مثل حسن الترابي علي الخوف من تفتت وطنه تحت دعاوي العروبة او الاسلام فاقترح بجواز زواج اليهودي من مسلمة وكذلك حق الارتداد والاعلان عنه. بل اصبح لدينا وبشجاعة مشكورة من يقول في مصر بجواز ولاية المسيحي المصري (القبطي) للولاية العامة.


تدهور دور العرب، رغم كل الدعم المالي لاعاده زرع العروبة وعسف الاسلمة في العقود الاخيرة، ادي الي اعاده النظر فيما يقال بانه شريعة اسلامية. لكنه لا يكفي في حده الادني للقول بان وجها عروبيا او اسلاميا جديدا يحاول ان يتوافق مع واقع حال العالم في هذه الالفية الجديدة لان هناك شواهد اخري كزرع النقاب المدفوع الاجر في فرنسا او محاولة تطبيق قوانين الشريعة في المانيا وكندا تؤكد ان صراع التحولات في اتجاه التحضر والمدنية داخليا جعل الاصولية العربية بوجهها الديني يفتح جبهه المعركة الحضارية بزراعة ما ينبغي التخلي محليا في التربة العالمية. وكما سبق قوله فان النظم العربية تتفق والاسلام الاصولي معتبرة نفسها جزءا من دار الإسلام الذى يدعي انه لا يفرق بين العربى وألاعجمى لكنه يشهد بالعنصرية ضد ما هو عثماني او ايراني او تركي او زنجي او امازيغي او قبطي، كلها ظلت قائمة واضيفت اليها كل العناصر التي وفدت تحت الاستعمار الاوروبي للمنطقة والتي تحسنت فيها احوال أهل الذمة باكثر مما انجزه العرب والمسلمين علي مدي اكثر من الف عام.


أدت التداخلات العرقية والثقافية والحضارية المكونة لمنطقة الشرق الاوسط بكل ما فيها من قديم اصلي او وافد مستجد الي ظهور افكارا جديدة لم تكن المنطقة بقادرة علي انجازها قبل ذلك. فالفكرة القومية هي من اصل اوروبي منذ نشاه الدولة االاوروبية الحديثة وهي ذاتها التي اختفت حاليا داخل عباءة العولمة لكن الفكرة ذاتها مازالت تفجر جدار الدم للتفرقة بين ما هو عربي وأعجمي وسني وشيعي ومسلم وغير مسلم. فمع ظهور فكرة القومية العربية واخفاقها السريع اشتعلت معها ازمة الهوية ومدي تحديدها فيما اسموه وطن عربي او عالم اسلامي. وبينما ظلت العلوم والمعارف الاوروبية هي الاساس في الفهم والمعرفة في الزمن الحديث بمساهمتها لانشاء الدولة الحديثة، فقد ظهرت لها مقاومة من نوع آخر تهدف الي اسلمة العلوم تخلصا من العلم الحديث وتشكيله لعقل حداثي لكل من افترسته العروبة يوما او دخل في الاسلام ظالما او مظلوما.


مع كل ازمة اصبح لقراءة أعمال المستشرقين اثر كبير في فهم اسباب الازمة وكيف أنها كامنة في التراث المشرقي الذي لم يتعرض للنقد داخليا. واكتشف كثيرين بعضا مما تعايشوا معه دون وعي منهم بمدي العسف الذاتي بهم جراء قبول ما لم يشاركوا في تاسيسه او قبوله او حق الارتداد عنه. وهي ذاتها الفترة التي بدت ازمة الهوية تاخذ منحي شديد الانحدار في اتجاه اعاده صياغة الذات اصلاحا للتخريب المستدام املا في تنمية مستدامة. فكما لم يفلح تاريخ المنطقة في إلغاء ما هو وطني قديم ومتجذر وفي زرع ما هو قومي شوفيني وعنصري بالتوحيد علي اسس اسلامية فان النخب الثقافية باتت تبحث عن سؤال الهوية مرة اخري. كسر بعضهم كثيرا من تابوهات الماضي وتبرؤا من كتب خطوها بايديهم في زمن الاحلام التي اتت باكثر الهزائم قسوة وباعظم الخسائر فداحة.


وقف النظام العربي يرصد ما يجري تحت جسوره من مياه آسنة وحاولت اجهزته التعويضية كالجامعة العربية او المؤتمر الاسلامي في إعاده توجيه رياح العنف الداخلي والتمزق الوطني والتخبط الاقليمي الي الخارج كالدفاع عن الحجاب والنقاب في اوروبا مستخدمين الشحن الجماهيري علي الطريقة العروبية القومية او الاسلامية الاصولية، كما جري في حادثة مقتل المحجبة المصرية في المانيا او قانون منع المآذن في سويسرا وقوانين الضبط والمراقبة في انجلترا ومنع النقاب في فرنسا. ولم يعي النظام العربي بعد ان الهوية الوطنية خارج عالم العرب والاسلام قد تاسست علي قيمة الفرد ومدي عطاؤه ومساهمته وليس علي اساس عرقه او دينه ومدي طاعته لحكم اولي امر لم يشارك في اختيارهم. لهذا حققت هذه المجتعات نموا غير مسبوق بما فيها الصين التي تتحول وتجدد شبابها. جميعهم اخذوا فرصتهم لاكثر من نصف قرن اثبتت فيها الهوية المتماسكة والقوية قدرتها علي الصمود ومواجه التحدي بعكس عالم لغة الضاد والاسلام الذي يتخبط في دمائه الداخلية ومخلفاته الحضارية حيث اصبح الدين وكأنه القبيلة والعرق والعنصر والقومية وكأنه الذات والهوية وضاع ما كان يسمي وطنا ربما لان العرب لم يعرفوا القومية ابدا ورددوا بجهل ان الاسلام وطن.

فليس هناك تضليلا بأكثر مما يوفره الفكر العربي المعاصر والقديم من إشكالية الدولة ونظامها السياسي. فهي الدولة السلطة ولا شئ آخر ولا علاقة لها بما يسمي بالأمة أو بالمجتمع المدني أو بالحريات الفردية؟ إن كل ما هو عربي او اسلامي يتناقض جذريا لمفهوم الدولة الحديث بشقيه الليبرالي والماركسي. فالاخيرين يعتمدان علي واجبات شروط العمل بغض النظر مدي اتساع ايهما لراي الفرد في كلا منهما وحرياته الفردية ووحقوقه بالتبعية. لكن النظام العربي الذي بات خطرا علي العالم الخارجي ليس اكثر من جماعة مثل جماعات الكهوف الطالبانية ترعي قطيعا يسمي الشعب تدربه علي النباح ضد كل الانظمة الخارجية تحت مسميات قديمة اسمها الامبريالية والاستعمار والهيمنة. وحاليا فقد اسفر وجه النظم عن نباح تؤديه بدلا منه جماعات الاسلام السياسي بان العالم الخارجي هو دار حرب.

الجمعة، 22 يناير 2010

ذَلِك عبد الناصر ... أنا تؤفكون

في ليلة سوداء خرجت جماعات مسلحة الي شوارع العاصمة لتحاصر قصرا ملكيا لم يكن به احد سوي الخدم. وجهوا فوهات مدافعهم الي مكان ليس به الشخص الهدف الذي قاموا من اجله. بعد ساعات قلائل وفى صباح يوم ٢٣ يوليه وبعد احتلال دار الإذاعة اذاع احد ضباطها البيان التالي:
"اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد، وتآمر الخونة على الجيش، وتولى أمره إما جاهل أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفى خُلقهم وفى وطنيتهم، ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب. أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر، وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب، وإني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور مجرداً من أية غاية، وأنتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف؛ لأن هذا ليس في صالح مصر، وإن أي عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل وسيلقى فاعله جزاء الخائن في الحال، وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاوناً مع البوليس، وإني أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم، ويعتبر الجيش نفسه مسئولاً عنهم، والله ولى التوفيق".
بعد ثلاثة أيام إجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش لابنه أحمد فؤاد ومغادرة البلاد. وفى اليوم التالي أصبح جمال عبد الناصر رئيساً للهيئة التأسيسية للضباط الأحرار.
كان الملك في الاسكندرية وقت حصار القصر في القاهرة ولم تشهد المدينة اي حراك وعندما غادرها الملك كان السفير الامريكي كافري (رضي الله عنه) في وداعه في مينائها التاريخي. ولحفظ ماء الوجه فقد تم استدعاء محمد نجيب لوداعه فوصل متاخرا الي حد انه اضطر الي اخذ زورق حربي للحاق بالباخرة المحروسة في عرض البحر لتقديم التحية.
لم يكن الملك اسيرا بين ايدي من قالوا بانهم ثوار بل في حضرة السفير كافري (رضي الله عنه) ومع ذلك خرج البيان ليقول " إجتازت مصر فترة عصيبة... وتولى أمرنا رجال نثق في قدرتهم وفى خُلقهم وفى وطنيتهم " التعديل في البيان هنا متعمد.
كان تحديد الملكية والاصلاح الزراعي من اول مشروعات المماليك الجدد رغم انهما من مشروعات حزب الوفد المصري والاهم انهما كانوا ضمن التوصيات الامريكية حسب ما جاء في صـ 114 من كتاب د. انور عبد الملك " مصر دولة يحكمها العسكر" والذي تبدل عنوانه الي " المجتمع المصري والجيش" (طباعة دار المحروسة) ومعها وقف الحياه الحزبية وإنهاء العمل السياسي في الشارع المصري.
افترض بعض اليساريين مثلما اوحت الولايات المتحده ان تفتيت الارض بحجة الاصلاح ضروري لتاسيس القطاع الصناعي الحديث رغم ان امريكا نفسها بها اكبر املاك زراعية. هكذا نفذ ثوريوا الليالي السوداء برنامجا هو في حقيقته نسف للقواعد الاجتماعية الريفية لطبقة كبار الملاك وأحلالها ببرجوازية صغيرة رثه حجم املاكها لا يحقق عائدا يكفي لحياه كريمة. كان الثوريون يبرجزون الريف، فهل انتقلت عوائد الريف الي المدينة للتصنيع ولتحديث المجتمع؟
بتفكيك الاحزاب تم اقتلاع العقل السياسي للطبقات الاجتماعية وبهذا وقفت حركة الضباط حائلا بين طبقات وفئات المجتمع بل واصبحت هي الحكم والادعاء لاي تهمة توجه لاي فئة من الفئات وانتصارا لطبقة علي طبقة، وفي قول اكثر صدقية تقليب طبقة علي طبقة. الوحيدون الذين اعفوا من عملية الفك والتذويب كان الاخوان المسلمين. حيث لا مقولة سياسية لديهم او برنامج اجتماعي عندهم اللهم الا اسلمة المجتمع دون اي فكر او حركة سياسية. ففي ظل الاسلام يستحيل لاي حراك اجتماعي ان ينجح والدليل هو فشل اي حركة سياسية اجتماعية أو حتي عقلية فكرية منذ ظهر الاسلام وحتي عصرنا الحالي. فهل كان عسكر يوليو الحاضنة والمرضعة لمن سيحكم بالاسلام فيما بعد؟
مرت حوالي تسع سنوات شغل فيها ضباط يوليو بمعركة التسليح والقناه بعد ان وضعهم حلفائهم في موقف محرج بسحب تمويل السد العالي. لم يدرك توم ان جيري يري الامور حسب عنوان كتاب مايلز كوبلاند الكاشف "لعبة الامم". فذهب من لا مذهب له الي السوفييت لانقاذه. ولانه لا مذهب له فقد عاملهم كما لو انهم باشوات الريف ممن وقعوا تحت امرته.
ففي زمن التوجه للسوفييت خرجت كتبا بعنوان "عندما تدخل الشيوعية بلدا" بغلاف احمر دموي كله صورا مما جري من فظائع في المجر. لم يجرؤ الزعيم علي فعلها ثانية عندما عندما اجتاح السوفييت تشيكوسلوفاكيا عام 1968، لانه كان قد وقع في قبضة جيري الصغير الغير شرعي للقط الكبير وحاجته كانت اعظم للسلاح السوفيتي الملحد.
كان توم اصغر من ان يتلاعب معه جيري الكبير فتركه لربيبة الاستعمار المسمي بالكيان الصهيوني. وفي زمن الاشتراكية كانت اخبار اغتيال الشيوعيين في السجون المصرية تصل الي الزعيم وهو في اجتماعه مع كبار الاشتراكيين في العالم مثل تيتو حيث فوجئ الاخير بها اثناء اجتماعه مع بطل التحرر القومي. كان الثوري راكب الدبابة الليلية يقدم عربون الولاء للراسمالية العالمية بإعدام الشيوعيين وهو جالس يتسول المعونات من اعدائها.فماذا فعل في راسماليته الموروثه منذ ليلة ركوب الدبابات؟
بنهاية زمن وحدته مع سوريا امم الرجل الشركات والمشروعات المصرية بعد ان بدد الاموال التي اخذها في التمصير سابقا. كانت تكلفة مشروعاته الخارجية وتامين ثورته داخليا تفوق الدخل القومي المصري. لهذا انتهت الخطة الخمسية الاولي بافلاس وبدون ايه فوائض مما ادي الي تاجيل الخطة الثانية التي كان موعد بدئها منتصف العام 1965.
شركات راسمالية كثيرة وضع علي راسها ضباطا لا علاقة لهم بالعمل والانتاج والادارة وكانت خزينة الشركات عامرة وقت التاميم لانها تحقق فوائض، اما في العام 1966 فقد بدأت الادارة في تصفية الودائع البنكية لصرف ارباح للعاملين!!!!! فمثلما انشات الثورة برجوازية رثة فقيرة في الريف تحولت بروليتاريا المدينة الصناعية رغم بعدها الشاسع عن الحداثة الي بروليتاريا رثة تتسول العلاوة في عيد العمال والمناسبات الدينية وتباع الاصول وتفك الودائع لدفع المرتبات، وليس بالتفاوض مع ملاك هياكل الانتاج ارتكازا علي كفائتهم في العمل وقدرتهم علي ضخ المزيد من الارباح في السوق.
ربط الرجل ونظامه مصيره بمصير العرب رغم ان تاريخه يختلف عن تاريخ العرب. العرب لم يعرفوا غير الاسلام بينما باقي المنطقة فكانت اكثر ثراءا ولم تنحصر في ذلك القفص الضيق. وكان الربط ضرورة لنظام لا يريد الا طبقات رثة لا تفكر ولا عقل سياسي لها، لهذا بدأ المشروع الاسلامي في ذات الفترة التي كان فيها المد الاشتراكي متصاعدا والذي توجه خليفه الزعيم والقارئ لبيان الثورة بجعل الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع في دستور 1971. بعدها بدأت الفتن الطائفية المفتعلة عمدا بحادثة الخانكة انتهاءا بواقعة نجع حمادي في عيد المصريين المسيحيين هذا الشهر.
بعد ان انهي الزعيم ونظامه ترثيث الريف وشرع في ترثيث المدينة فان نظرته المستقبلية جعلته يضع لبناتها فيما يسمي الميثاق حيث افترض وجود دوائر ثلاث اسلامية وعربية وافريقية هي البيئة التي ينبغي التعامل معها. لكن ما حدث ان الرؤية المستقبلية كانت تهدف الي اسلمة الجميع. ولننظر لدور الازهر الذي صدر كل الاصوليات الي افريقيا وليست احداث الصومال والسودان ونيجيريا وموريتانيا الحالية ببعيده. ووجدت فلسفة الرثاثة ان مادام الغرب الراسمالي الاستعماري ليس مسلما وان السوفييت والصين من الملاحدة كذلك فان عدم الانحياز والحياد الايجابي يمكن ان يرتكز علي خصوصية ثالثة لا تتفق وهوية الكتلتين المتصارعتين في لحرب الباردة. هكذا تم دق الاسفين الاسلامي في المجتمع دون جهد او مشقة، فالغرب استعماري صليبي والشرق شيوعي ملحد.
كان نجم هذه الفترة الشيخ الغزالي والشيخ كشك حيث عرضا كراهيتهما للمرأة في حوارات حول الميثاق بحضور راكب الدبابة الاول ليلة 23 يوليو.التحضير لهذا تم علي يد كتاب يوليو الذين هالهم كشف المستور مؤخرا. كتب هيكل القائم بدور الوسيط والمحلل بتبرير الاشتراكية العربية فقارن وايد فكرة الترثيث الاجتماعي للطبقات باكملها حيث قارن بين الشيوعية والاشتراكية في ان الاولي لا تنفي الطبقات اما رفضه للثانية فلانها تقييم دكتاتورية لطبقة وحيدة، لكنه لم يتطرق الي تفسير او شرح كيف يتأتي لدكتاتورية العسكر ان تصل الي السلطة وهي غير مالكة لا لقوة العمل او هياكل الانتاج؟
كان الكذب والفجور والضجيج الاعلامي كاف لمنع اي صوت أن يسال. وجاءت الهزيمة لتنقذ النظام ولتصبح المحبس الذي يضمن عدم تسرب اي فكرة تنقد او تكشف ما هو قائم من تخريب، بالا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
الان، هرم وشاخ النظام المصري وخرج من جوفه حزب حاكم هو ذاته امتداد لهيئة التحرير والاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي وحزب مصر والحزب الوطني. الخرف والهذيان هما من اعراض الشيخوخة خاصة لو انهما ما رسب في قاع الذاكرة زمن الطفولة الاولي. من مظاهر الشيخوخة ان يتذكر الفرد احداثا غاية في القدم رغم نسيانه لها زمن شبابه ونشاطه. فالذاكرة الانسانية تحوي كل ما مر علي الفرد. ولو اننا اعتبرنا ان المجتمع والنظام السياسي خاضعين لنفس الامر، فكلاهما كائن حي يهرم ويخرف ويصاب بالجنون ايضا وينهار ويموت. انها مظاهر ما قبل النهاية واسترجاع للذكريات القابعة في قاع الذاكرة شهدناها مؤخرا في حوار بين شخصيتين من فضلات النظام حيث قالا في جريدة المصري اليوم بتاريخ 12 و 13 يناير الجاري:
قال مصطفي الفقي في الجريدة: لا أعتقد أنه سيأتى رئيس قادم لمصر وعليه فيتو أمريكى ولا حتى اعتراض اسرائيلى للأسف.
فرد عليه محمد حسنين هيكل للتبرئة في اليوم التالي وبسرعة مدهشة فى ذات الصحيفة: أسئلة ضرورية حول مقولة مصطفى الفقى ، الرئيس القادم يحتاج إلى موافقة أمريكية وعدم اعتراض إسرائيل.
خلع الفقي سروال النظام فاسرعت الحيزبون الام لستر العورة. رحم الله مايلز كوبلاند والسفير كافري إذا كانا قد توفيا اما لو الامر غير ذلك فانا اسالهما بدوري ما العمل دام فضلكم.

ثقافة الــ - تحت

فجرت الاستاذه نادين البدير الدمامل والجروح المتقيحة في الثقافة العربية الاسلامية. اعلنت حربها علي ثقافة الجواري والإماء وما هو معروف من الدين بالضرورة تحت مسمي تعدد الزوجات. ودربت نفسها علي مبارزة الذكور الذين نطقت السنتهم بما تمليه عليهم اعضاء اخري ضمن اجسادهم.
مقالها بعنوان "أنا وأزواجى الأربعة". استهلته بقولها " ائذنوا لى أن أزف إلى أربعة.. بل إلى خمسة.. أو تسعة إن أمكن".فكم هي كثيرة تلك النصوص المقدسة التي تخدم اصحاب الشهوات المتاججه، وتعتبر المرأة متاع للذكر دون اي احساس بمدي العسف علي مشاعر النساء اللائي وصفن في النصوص بانهن تحت. ففي كل ازمنة العرب الرديئه ومعها ازمنة الحكم بالدين، وما اطولها، يستحيل حصر مجالات الرداءة في وضعيه الانسان مسلما او غير مسلم، رجلا كان ام انثي، عبدا كان ام سيدا. وهل كان هناك زمن عربي غير ردئ؟
جاء في سورة التحريم الايه العاشرة "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ"جاء ذكر هذا الوضع (بغض النظر عن المقصود هل هو اجتماعي عام ام اثناء الممارسة الجنسية) لشخصيتين انثويتين تحت شخصيتين ذكوريتين مؤمنتين يرتكز عليهما الاسلام من اجل تمرير قيم ومبادئ يستنكرها الميثاق العالمي لحقوق الانسان وتستنكرها المرأة المظلومة والمتمرده علي وضعها في بلاد المسلمين دفاعا عن كرامتها الانسانية بشكل عام.كم حاول الاصلاحيون ترميم نصوص الاديان بالتاويل دون الاقتراب من بعضها حتي لا ينخدش الحياء. لكن تظل النصوص مستعصية علي المعالجة، لان الايمان بها ليس التحاما تصالحيا بين المؤمن والمؤمن به انما اخضاع المؤمن لما آمن به، طوعا او كرها.
لم يات الحل إلا في تقدم وارتقاء البشر، فكلما ارتفعت مستويات الكرامة داخل نفوس من ظلموا انفسهم بالايمان يوما، كلما تصدعت النصوص الدينية وتهرأ ما هو معروف من الدين بالضرورة واصبح الاصلاح بالمغادرة وفك الصلة بين المؤمن والمؤمن به ممكنا.لم يكن النص القرآني بعيدا عن ثقافة العرب قبل الاسلام. فما اكثر ابيات الشعر الجاهلي التي نجد تطابقا ومشابهه في ايقاعها المرسل وموازينها الشعرية مثل:
اسلمت وجهي لمن اسلمت له الارض والجبال
دحاها فلما استوت ارسي عليها الانهار زلالا
خفت الموازين بالكافرين وزلزلت الارض زلزالها
ونادي مناد باهل القبور هبوا لتبرز اثقالها
ومسهم ما مس اصحاب الفيل
ترميهم بحجارة من سجيل
أما النموزج النثري الاكثر شهرة وقربا من قصاري السور فيما روي عن قس ابن ساعدة الايادي المتوفي عام 600 ميلادية.
فمن ناحية البلاغة والقدرات اللغوية واعادة توليد الاساطير فقد استقبل اهل الجاهلية نصوص الاسلام بما يرضيهم والا لما دخلوا فيه حتي ولو كان السيف مشرعا كما حدث لاحقا. أما من الناحية الاجتماعية فتعدد الزوجات كان قائما ولم يغير الاسلام شيئا منه بل إن استبدال زوج مكان زوج بات من ثوابت الايمان، كتنظيم تبادلي للسلعه، عملا بمبدا الاقتصاد وحساب التكلفة الجارية لو ان عدد الاناث في حضرة الذكر الواحد يفوق قدرته الاشباعية لهم.
جاء في الايه العشرون من سورة النساء "وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً".لم يتوقف أحد عند مسالة الاستبدال فالنص ليس مهموم بها إنما مشغول بالاموال او القناطير والاثمان كحالة تجارية أكثر اهمية من عملية استبدال النساء كحالة سلعية. فمنطق السوق في المجتمع التجاري فرض نفسه في الايه الكريمة حتي ولو كان المستبدل بشرا كالمنقولات من ممتلكات لمن يريد استبدال انثي بانثي اخري. أما التعرض لبيئة السوق ومفهوم القيمة فليس واردا بين مالك وبائع ومشتري وسلعة وسعر وعرض وطلب مما لا يستحب الحديث فيه.
الم تكن الاستاذة البديرعلي حق إذن فيما هي تقاتل وحدها منفرده في ساحة يملؤها ذئاب السوق الراغبين في تعدد انواع اللحم الانثوي جمعا لهم او استبدالا فيما بينهم. كلمة "تحت" ولفظ "استبدال" هما لاثبات الاعجاز اللغوي ولا ينكره احد شرط ان يكون الحديث عن أمتعة وممتلكات واصول منقولة.
بعد ان جرت اموال النفط في ايد اصحابها واصبحت الشريعة في حاجة الي تصحيح ظهر فقه الرغبات الجنسية لطمس ما سينكشف من الشرع والمشرع لعدة انواع من الاستبدال او الجمع او التسريح دون اخذ راي الانثي ودون مراعاة لمشاعرها. فثورة نادين البدير ليست فقط على التعدد فى حد ذاته بل ثورة علي جلافة الفقية ومدي احتقار الفقهاء والمشايخ للمرأة وصلافة الجاهلية حيث وجد التعدد العربي الجاهلي واخلاق السوق طريقه الي الاديان وشرائعها لتخضعها لرغباتها.
لم تتطرق الكاتبة الي صدقية التعدد بناءا علي احاديث أو ايات لان الايمان طاغ والبصيرة باتت عمياء، لكنها آثرت ان تعدد ايضا تحقيرا للذكر العربي الاعمي. وهناك ما هو اعمق من ذلك لان للنص قائل وللحديث راو، وللنص ارضية اجتماعية وبيئة ثقافية، هي ذاتها ابنتها. وكما يقول علم النفس في قاعدته الاساسية " وراء كل سلوك هدف" و "وراء كل كلمة دافع".
كشفت البدير ان اوجاع المراة العربية المسلمة ليست من فعل الامبريالية الامريكية او هيمنة الغرب المتهم بكل انواع الفسوق عبر السوق العولمي الهائل. إنما في اموال نفطية استثمرها اهلها لدهس كرامة المرأة في تعدديه ودهس الابرياء وقتلهم تحت مسمي الجهاد.اصلاح خلل التعدد مستحيل لو حاولنا إعاده تاويل النص لان النص يمتلأ بالثقوب التي شجعت الجاهلية للدخول في الاسلام. فأن تستعيد الانثي كرامتها في حضور الالفاظ الدالة علي استخدامها السلعي من امثال " فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً" امر مستحيل.
ولمرة ثالثة نجد لفظي الاستمتاع و الاجور معجزين، ويعجزا السيدة البدير لو اعتمدنا النص الديني كمرجع للمساواه او في ادناها عتقها من كونها متاعا وسلعة استهلاكية. فالعرب اتوا بمعجزات ليس فقط في اللغة كما هو معروف، إنما في استحضار الاقتصاد بديلا عن الاخلاق، والتجارة كاخلاق سلوكية، والنخاسة بديلا عن الحريات.
امريكا لم تسوق المثني والثلاث والرباع وملك اليمين، ولم تختلق تلك النصوص فالقانون الامريكي يمنع الدعارة بعكس بلاد اخري كثيرة بها بيوت علنية او مستترة لاقدم مهنة رحب بها الرجل وكان هو الزبون الوحيد ليستهلكها.دخلت الاستاذة البديرالمعركة وقت انكشاف بلاد العرب والمسلمين علي العالم في زمن العولمة بمسألة المساواه في الحقوق. فالحرية لا تؤخذ الا بالثورة علي العبودية والحقوق لا تسترد الا بالثورة علي الظلم. لكن الغريب في حالة البدير ان المجتمع الرعوي البدوي القبلي الجاهلي المفترض اختفاؤه منذ ظهور الاسلام لازالت افرازاته الفكرية والثقافية حاضرة وبموجبها ظلمت ملايين النساء بتطبيق الشريعة. فآثرت البدير المعاملة بالمثل.
اقامت القومية العروبية، قبل انهيارها، الدنيا سبا وشتما للغرب والراسمالية باعتبار السوق من منجزات الراسمالية بينما البيع والشراء ولا شئ سوي الاسواق والتجارة دون الانتاج والعمل هما من واقع عالم المسلمين اوائل ومتأخرين. ففلسفة عكاظ وما حولها لازالت حية، رغم القول بان الاسلام يجب ما قبله!!. وجاء مؤخرا الاسلام السياسي الوهابي ليتهم الغرب بانه لا اخلاقي بدون اي مقارنة لنصوص كلا من المجتمعين في الغرب وفي الشرق ودون نقد للذات بل بثقة مفرطة. وكانت الصدمة من إمرأة من داخل ذات المجتمع المصدر والمنتج للاسلام. لم تطالب البدير بالعدل الذي نصت عليه بعض ايات القرآن لانها تعلم ان الذكر المسلم ومعه الفقية الشيخ جعلاه من المنسوخ من النص بالضرورة. فآثرت ان تهين الرجل وتطلب اربعة رجال ونسيت، ربما لانها ناقصة عقل ودين حسب التوصيف القرآني لها بالنسيان، حقها أيضا في ملك اليمين.

حد فاهم حاجة

كتب سامي لبيب:
قصة الله و الشيطان قصة فيها الكثير من الغرابة ..ولو حاولت أن تقرأها قراءة مبسطة ستجدها أن فيها الكثير من عدم الإنسجام والتناقض البشع...بل ستجد أنها تشوه فكرة الله نفسها تشويهاً كبيراً .
الشيطان كان ملاكاً عصى الله وتمرد على أوامره ورفض السجود لأدم ..حسناً تكون هذه القضية خاصة بين الله والشيطان يتصرفا فيها مع بعضهما بعيداً عن الإنسان ولهما مطلق الحرية فى أن يصنعا ما يريدا .الغريب فى الأمر أن الإنسان تم حشره فى هذا الصراع بدون إرادته ..بل تمت عملية رهان ومقايضة بين الله والشيطان عليه .!!فالملاحظ أن الشيطان عندما عصى وتمرد تمت مكافأته ولم يعاقب !!..فبدلا من أن يحرقه الله هو وكل أتباعه من الشياطين الصغار الذين ساروا على دربه جزاء تمردهم وعصيانهم ..وحتى تتجلى أيضاً قدرات الله فى العدل والقصاص والقدرة والجبروت.وبدلاً من ذلك دخل الله هو والشيطان فى رهان على الإنسان .. ليسمح الله للشيطان أن يضل ويوسوس فى ذهن الإنسان ليفعل الشر والمعصية والخطية .!!
الله المنتقم تعطلت عنده هذه الصفة أمام الشيطان فبدلاً من أن يحرقه فور عصيانه تركه ليدخل معه فى رهان .الله الرحيم يدرك أن مصدر كل شر هو الشيطان ..وتركه يخرب فى عقل الإنسان ليحرفه عن الإيمان الصحيح والعمل الصالح ليجهز الله على أثرها محرقة فى السماء لشوى الجلود واللحم والعظام ..ثم يجدد الجلود ليحرقها ثانية إلى مالانهاية .!!!
الله العليم كان مدركا لهذه القصة والسيناريو ..وعارف بتمرد الشيطان وتضليله لمليارات البشر فرداً فرداً من بداية الخليقة وحتى الأن ..ويعرف مصير كل إنسان قبل أن يولد .الخلاصة ..
هل الله كان يعرف أن الشيطان سيتمرد عليه أم أنه فوجئ بهذا الأمر .؟ ...... يعرف
هل الله كان فى مقدوره أن يحرق الشيطان وأتباعه فور تمردهم وعصيانهم أم لا ؟ ..... يقدر
هل الله دخل فى مقايضة ورهان مع الشيطان بإرادته أم رغماً عنه ؟ ..... بإرادته
هل الله يعلم مصير المليارات الذين سيضلوا نتاج تلك الصفقة والرهان أم لا ؟.... يعلم
إذن الله عارف كل سيناريوهات الفيلم مشهد وراء مشهد ..فما معناه .؟!!
حد فاهم حاجة ..!!
أنا فهمتها ..!!عندما إبتدع الإنسان فكرة الألهة تعامل مع الأمور برؤية بسيطة ومنطقيه ..فجعل لكل ظاهرة إلهاً خاصة بها ..ويمتد التخصص فى أن يجعل إلهاً للخير وإلهاً للشر .جاء التوحيد ليجمع كل الظواهر فى إله واحد , وكانت الإشكالية هنا فى تجميع الخير والشر فى إله واحد ..فكيف تجمع بين النور والظلمة والأبيض والأسود فى كيان واحد ؟!!تم التحايل على هذا التناقض الفج بخلق فكرة الشيطان كبديل لإله الشر السابق للقيام بدور الشر ..ولكن إله التوحيد لا يقبل بأن ينازعه فى التفرد بالألوهية والقدرة أحد ..فجاءت القصة كما سردوها لتجعل الشيطان يتحرك من تحت ذقن الله ويلعب فى الملعب الذى حدده الله ..ليكون الشيطان فى النهاية قفاز بيد الله .هكذا تكون الأمور ...

الجمعة، 8 يناير 2010

الشريعة ومرجعية الجاهلية

تشكل الشريعة الاسلامية في معظمها قواعد عقابية تؤدي دورا وظيفيا رادعا لمرتكب الجريمة. فلم يخلواي مجتمع ما من وضع ضوابطه وقواعده القانونية لضبط السلوك الاجتماعي داخله. ففي كل وطن وجدت القوانين ووجدت التشريعات. لكن ما يميز الحالة الاسلامية انها وصفت الشريعة بالقدسية وان تطبيقها، حتي ولو لم تكن محققة عدلا وضبطا للمجتمع، الا لانها ما ارتضاه رب هذه الجماعة التي ظهرت الي الوجود من قلب الجاهلية العربية. فمجرد ان يدخل الفرد الي حظيرة الاسلام الا وعليه تطبيق ما ارتضاه رب الجماعة وليس ما ابدعه هو بتوافق مع باقي اقرانه في مجتمعه. فالقانون او اي شريعة لاي مجتمع هي ما يلزم كعقاب بعد ان يرسي المجتمع ما يمكن تسميته "سوسيولوجيا الفضيلة". لكننا نفتقد وجود هذا التاسيس السوسيولوجي في نواه المجتمع النبوي الاسلامي الاول الا بكونهم آمنوا غيبيا باله واحد أحد.
من الممكن ايضا اعتبار ان القانون والشريعة لاي مجتمع هو عملية تقنين للتنوير او تشريع للحالة التنويرية الجديدة علي سادت بين افراده بعد إعادة تصورهم عن انفسهم في وضع جديد مخالفا واكثر تطورا من وضعيتهم السابقة. فمن اجل بناء مجتمع انساني وسليم يفترض ان يتم عقلنة العالم والمجتمع قبل ان يتم وضع القانون الضابط لسلوكه. لهذا فان ايديولوجيا العقل هي التي اتت بالتنوير الفرنسي الذي تاسس عليه العقد الاجتماعي ومن ثم القانون الضابط لعلاقات افراده ارضاءا لما رضوا هم عنه بعد مخاض الثورة وولادتها وانتصار قيمها. ويتكرر المشهد في التنوير الامريكي الذي ارسي قواعد علم سياسة الحريات. وعليه جاء الدستور الامريكي كاعظم وثيقة تاريخية ترسي قواعد للقانون الذي يساوي بين اعضاء المجتمع الامريكي كافة وكان هو السبب الرئيسي لثورة لوثر كنج ومقتله في آن واحد. يبدو التناقض هنا واضحا والجدل ظاهرا لكنه ذات الجدل الذي اتي بـ "اوباما" حاليا رئيسا لاقوي دولة في العصر الحديث. أما بريطانيا بقيادة الجزء الانجليزي منها والمحافظ بطبيعته فقد رهنوا انفسهم لعلماء الاجتماع باعتبارهم فلاسفة اخلاقيين. ولان المجتمع الانجليزي محافظا فقد الزم نفسه بما هو قائم ولم يرتكب جريمة الثورة مثلما حدث علي الارض الامريكية او علي الارض الاوروبية في فرنسا وروسيا فيما بعد. وتعويضا لهم عن منهج الثورة ومنطق العقل فقد رهنوا انفسهم للمنهج التجريبي لاستخلاص القيم الخلقية وبالتالي القوانين التشريعية لضبط المجتمع. فالتجريب الذي اسس قواعده الفيلسوف الانجليزي "دافيد هيوم" هو النصف الاخر للعقلانية واتت منه قوانين ثابته تتفق ومدي ما يقول به الواقع المادي المستقر بالضرورة. لهذا تبدو المادية كصفة متنحية رغم فاعليتها بنشاط في المجتمع البريطاني بينما هي واضحة لا تخطئها عين في المجتمع الفرنسي والامريكي.
ولن نتطرق الي مجتمعات اخري اهمها الهند والصين لانها ارست لنفسها قوانين وضوابط خلقية وقانونية آتية من من واقع الحال وليس من مصادر قيل انها من وراء الطبيعة. تقول القصص الهندية والصينية ان "بوذا" خرج يوما فصدمته مظاهر البؤس الانساني مما دعاه للاعتزال والتدبر في امر الناس. فخرج عليهم قائلا ان عليهم الابتعاد عن خرافة ما وراء الطبيعة والالتفات الي واقع حياتهم باعتبار التجربة الانسانية المعاشة هي اساس الدين والاخلاق والقانون.
عند هذه الحكمة البوذية يمكن إعادة الحديث عن الشريعة الاسلامية حيث كان المجتمع الجاهلي قبل ظهور الاسلام مباشرة يعج بمظاهر عديدة كثيرة كلها تصب في خانة مطلب إعادة ترتيب البيت اجتماعيا. فعلاقاته كلها التي باتت قائمة علي التجارة وجمع الاتاوة لخدمة زوار مكة من اقصي الجنوب واقصي الشمال في رحلات التجارة ومعها علاقات عبيدية بين ملاك للثروة وفقراء معدمين . لم يكن هذا المجتمع خاليا من ايه قيم او قوانين لضبطه عقابيا او بالفضيلة والحكمة. لكن الجاهلية العربية بكل مفرداتها وقواعدها القانونية كانت هي الضامنة لبقائه واستمراره في تلك المرحلة.
أتي الاسلام بقواعد تبدوا جديدة حسب الدعاية الايمانية له، لكن في ضوء قواعد التاسيس الفرنسية والامريكية والانجليزية وعلي رأسهم اقوال بوذا فان التدقيق في الشريعة الاسلامية لن تخرج كثيرا عما ارتضاه عرب الجاهلية عن انفسهم. فالقانون او الشريعة، في التعريف العلمي لهما، هو مجموع توافقات المجتمع واتفاقاته حسب وضعيته كل في بيئته الخاصة والتي تلزمة بقواعد سلوكية معينة وبالتالي بقوانين عقابية تناسبها.
فالامثلة كثيرة فيما هو منقول من عرب الجاهلية الي عرب الاسلام ليس فقط لغويا وادبيا بل ايضا اجتماعيا وسلوكيا وقانونيا وبالتالي تشريعيا. فالجديد في الاسلام ليس ترتيبا جديدا لعلاقات العمل علي الارض او تبديلا للبيئة الطبيعية او تغيير البشر باناس جدد، إنما هو الغاء لبعض الالهه وتثبيت لاله واحد. هذا هو الجديد في الاسلام. وهو ذاته التحذير فيما اشاعه "بوذا" بين الناس في قومه منبها اياهم اليه. فالجاهليين هم انفسهم الاسلاميين وقتذاك، لم يات اليهم غازي اجنبي او محتل غاصب ليغير ما بهم. لهذا انتقلت بسهولة ويسر قوانين مثل قطع يد السارق واستحلال اموال المهزومين وتقسيم غنائم الحروب حسبما كانت توزع عند الجاهليين، وحيازة اكثر من امرأة في وقت واحد قد اقرت مثلما كانت قبل الاسلام بل اصبح من الممكن ان يصل عددهم الي مالانهاية بالتبديل تركا للقديمة واستجلابا للجديدة.
ففي حالة السرقة او الاعتداء علي الاملاك لم ياتي السجن او الحرمان من الحضور الاجتماعي كوسيلة وتقنين عقابي لها، علي سبيل المثال لا الحصر في قوانين الشريعة الاسلامية، لا لسبب الا لان قولة بوذا السابقة هي مفتاح لهذا اللغز. فالبيئة والبشر وعاداتهم وقواعدهم السلوكية ونظمهم الانتاجية التجارية مازالت علي حالها لم تتغير. فان يتناسي الناس هبل واللات والعزي وتستبدل الهتهم باله آخر واحد أحد، ليس كافيا لاعادة ترتيب المجتمع في وضعيته الاجتماعية حتي تظهر قواعد جديدة للسلوك وبالتالي قوانين جديدة للعقاب. فشروط العمل ومدي الحاجة الي اليد العاملة في مجتمع الجاهلية او مجتمع الاسلام ظلت علي حالها لهذا استجلبت نفس قواعد التعامل معها قانونيا في حالة السرقة من الجاهلية الي الاسلام. فمجتمع الندرة وكما اوضحنا في مقال سابق ومعه مجتمع له اساس رعوي قبلي متنقل فيما قبل الاستقرار بمكة او المدينة يجعل السجن شيئا مستحيلا بل ويصعب علي العقل تدبيره كوسيلة عقابية. فالجاني المحكوم عليه عقابيا يحتاج الي الطعام والكساء بل والي سجن وسجان بكل اعبائه الخدمية ايضا وهو ما يعجز مجتمع التنقل والترحال بكل ما فيه من ندرة طعام وكساء وامن من توفيرها. فما اسهل قطع اليد في هذه الحالة وخاصة ان الاحتياج لها للعمل ليست مما هو ضروري. هكذا ظل القانون العقابي متوارثا علي حاله من زمن الرعي والتنقل مرورا بفترة الاستقرار بمكة جاهليا وورثه الاسلام بعد ان اضفي عليه قداسة دينية. ولو تتبعنا الشريعة في كل قواعدها لوجدناها استمرارا لما قبلها لا لسبب سوي ان التغيرات الكبري والتحولات العظمي لم تتم في هذا المجتمع مثلما جرت في الامثلة الثلاث التي سبق وقدمنا لها في الحالات الامريكية والفرنسية والانجليزية.
ولو انتقلنا الي اللغة العربية الحاملة لكل ما هو اسلامي لوجدناها ايضا خاضعة لنفس معايير البيئة التي تفرض التنقل والرعي. وهو ما يشرح لنا لماذا ظلت الشفاهية قائمة لازمنة طويلة ولم يعرف هؤلاء الناس التدوين الا بعد ان استقر القائمين علي نشر الاسلام في امصار تعرف الاستقرار منذ الاف السنين في ارض العراق ومصر. فمنذ الترحل رعيا للاغنام وراء الكلأ والماء لم يكن ممكنا ان يحمل العربي مدوناته ولوحاته وجدارياته واحجاره معه (لو انه انجزها). كان البديل بالضرورة هي لغة مكثفة حتي ولو كانت مشوهه في قواعدها وصرفها ونحوها من اجل الاختزال الشديد لها بهدف حفظها في العقل حفاظا علي تراثه وتاريخه وانسابه. لهذا قيل فيما بعد ان الشعر هو ديوان العرب. فهو ليس ديوانا بالمعني الحضاري انما مجرد ذكراه التي امكنه الحفاظ عليها وتوريثها شفاهيا عبر الاجبال المتتالية. ولهذا انتقلت هذه القيمة الحضارية رغم بدائيتها ايضا الي ما بعد الاسلام مرورا بمجتمع الاستقرار المكي. فالعنعنة وقواعد استخلاص صحة الحديث هي قضية مرتبطة بالشفاهية العربية الماقبل جاهلية. بل ان جمع القرآن من الحفظة الشفاهيين تم علي نفس المنوال زمن عمر وعثمان. وهي ذاتها القضية التي سببت ارتباكا وخلافا ومشاكل لا حصر لها في مجتمعات كانت اكثر رقيا لمعرفتها التدوين بزمن اطول واكثر عمقا في التاريخ من زمن الجاهلية العربية.
الاسلاميون حاليا يطالبون بتطبيق الشريعة رغم استحالة تطبيق قيم ازمنة قديمة في ازمنه اخري حديثة تختلف جذريا عنها ولا يكفي اضفاء القداسة عليها حتي يسلم الناس بها. فعلاقات البشر حاليا حتي في نفس البيئة التي انجزت ما سمي يوما ما "شريعة اسلامية" باتت مختلفة، وتطبيقها هو مخالفة لسنن البشر المتغيرة والتي يحتاجون الي ما يتناسب وعصرهم اللهم الا بان يرتدوا الي عصور القبلية والرعي حتي تصبح الشريعة صالحة.

لماذا رضي الله عنهم؟!!

منذ تداخلت ثقافات العالم ببعضها البعض لم يتوقف العقل المحلي في شرقنا الاوسطي من سؤال الذات عن كيفية عمله وطرائق تفكيره. وانصب معظم جهده في بلاد الشام ومصر وشمال افريقيا نقدا لنظم الحكم،. وغاص في التاريخ بعضا من المثقفين أملا في بارقة امل وقارنوا حاضره بماضيه، وعرضوا بعضا من اقوال الصحابة ثم اقوال المحدثين في الغرب. ودرس البعض جوانب من شرعيته الحكم، وحمّلوا الغرب والاستعمار تبعات التخلف ومسؤولية احتجازنا في خرافات الجهل وحملوه المسؤولية عن مصائبنا. قليلون هم من تعرضوا لبنية العقل العربي وكيفية عمله، كان آخرهم السجال القوي بين د. محمد عابد الجابري الذي تقارب مع الاسلام من جهه ونقده له من جهة أخرين ورد المفكر الفذ "جورج طرابيشي" عليه في اربع كتب تحمل العناوين " " و "نظرية العقل " و "وحده العقل العربي الاسلامي " و "إشكاليات العقل العربي " و "العقل المستقيل في الاسلام ".
فمن اصعب الامور فهم معني العقل في الاسلام. فكثيرا ما جاء ذكرهذا الجهاز ضمن نصوص القرآن بالرغم من عدم التلميح او التصريح عن كيفيه عمله. فالنص القرآني في ذات الوقت الذي يطلب التصديق والايمان بالغيب لم يكن في حاجة لان يبرهن علي صحه مصدره او صحة ما جاء به من وقائع واحداث فإنه طالب المتحدث اليهم بان يعقلون!! لمجرد ورود مثيلات تلك الاحداث عند من اطلق عليهم أهل الكتاب. ولعل تعمد إهمال البرهان واعتبار ان وجود كتب سابقة وان هناك اهل كتاب كان متمشيا مع كيفية التفكير عن اهل ذلك الزمان.
فتعريف العقل يمثل تحديا للاسلام وللفكر العربي حيث يغيب معني التفكير ومعني التعقل وياتي بدلا منه التراث او الفقه أو قصص الاولون كبديل ويتم البرهنة علي صدقية الادعاء باستدعاء القصص من كتب الاولين. بل كثيرا ما يتم الخلط بين العاطفة والعقل او بين العقل والسلطة.
كان تعريف القدماء للشئ مرهونا بالحديث بما ليس هو، فيكفي ان تذكر النقيض حتي تتاكد هويه ما يجري تعريفه، وذلك لفقدانهم الدراية بما يتحدثون عنه ولاسباب موروثه من الاسلاف. وهنا ياتي الخلط والابهام والايهام والخطأ. وهذا النمط من التفكير راجع الي زمن التحريمات الطوطمية حيث يمتنع ذكر اسم الطوطم او المعبود لئلا تحل لعنته حيث كانت المعبودات في بدايتها هي كل قوي الشر اتقاءا منها. أما في الفلسفة اليونانية فالعقل هو الاله الذي لا وظيفه له الا بتعقل ذاته. اما في الاسلام فلم يات ذكر العقل كجهاز، فالنص افترض وجوده لدي البشر وافترض استخدامه قولا "افلا تعقلون". أما الاله فوصف "ليس كمثله شئ"، وظيفته الوحيده ادارة الكون من خارجه لكونه العقل الكامل.
لم تظهر تعريفات حقيقة وصادقة للعقل الا بقدر انتاجه للمعرفة واكتسابه خبرات من واقع الحال وامور الدنيا. فكلمات مثل الوعي - الذكاء - الفهم – الحدس - الادراك – التعلم كلها من ادوات ووظائف العقل ورغم ذلك فلم ياتي ايا منها في نصوص الاسلام للتمييز بين المعارف المطلوب من المسلمين عقلنتها وبين ما ينبغي عليهم استبعاده. فان يكون العقل هو صانع للمعرفة وصنيعتها في آن واحد فان العلاقة الجدلية بينهما لا تعني سوي أن معارفنا ستتتجدد وعقولنا ستتغير لنصبح ارقي مما نحن عليه حاليا. ذلك هو الجدل ومعني صراع النفي في تناقضاته. فلا المعلومة القديمة ستعود صالحة ولا العقل القديم سيصبح متواجدا ليصدق عليها أو يعيد انتاجها او احيائها. فما هو ذلك العقل الثابت في الاسلام والمنصوص عليه للتعقل في القرآن؟
كانت الاسطورة من اولي منجزات العقل البشري تاريخيا ولان هناك علاقة عضوية وجدلية في آن واحد في كيفية صناعة العقل للمعرفة وصناعة المعرفة المعلوماتية للعقل فان العقل الحديث يمثل نقلة نوعية في التزامه بالادوات الجديدة بعد ان كان غير ملتزم، قديما، بضرورات الواقع ومدي توافقها مع قوانينه. فما اكثر الخرافات التي صدقها الاولون وقامت عليها أخلاق وقيم وأديان مجتمعاتهم. وعليه اصبح الهم الاول في عصر المعلومات الحالي هو البحث في تغيرات العقل من اجل معرفة ما لم يدركه من قبل. ففي الاساطير القديمة تجري الاحداث بما لا يتفق وقوانين الواقع ولهذا السبب بالذات تكلس العقل البشري طويلا ولم يعد قادرا علي الحركة بالبشر الي الامام. كانت النشوة والامتاع من أهداف العقل القديم كلما أعيد سرد الاساطير وتلاوة ترانيمها واياتها. الان تتم النشوة والامتاع كلما اخرجنا احشاء المادة وقوانينها الداخلية التي كانت خافية علينا وليس مجرد ترديد ما كان معلوما في معارفنا بالماضي.
بعد ادراك كيف اصبحت المعرفة المعلوماتية هي عقال العقل ومفجرته وصانعته في آن واحد، فان الاعتقاد بان الكتب السماوية وكأنها فتحا مبينا وكشفا عظيما للانسانية، يمثل خصومة وقطيعة بيننا وبين الحاضر والمستقبل. ولان الكتب هذه لم تؤصل لما هو العقل والتعقل وكيفية اداؤه لوظائفه وباي منهجية يعمل فقد أعيد ذكر وتجديد ما كان معلوما قبل الاديان الي ما بعد الاديان. وبالرغم من هذا فهو ينكر الامر ويتهم السامعين لنصوص القرآن دون الايمان بها حسب ما جاء في سورة الانعام الايه 25 "وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ". وهنا ياتي خلطا واضحا بين القلب والفقه الذي هو من منتجات العقل. لكن الاخطر هو ان التعقل من عدمه مشروط بما يصبه الله من غضب علي البعض وليس من البرهان الداخلي القبل للتصحيح.
فقه الشئ، إسلاميا، هو عقلنته من اجل تصديقة استعدادا للايمان به، ففي سورة التوبة تقول الايه 87 "رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ". طالب القرآن وهو الكتاب السائد حاليا عند المسلمين بالتعقل والحض علي العقل لكنه لم ينهي مقولاته باقوال التجريب او الاستقراء او الاستنباط المنطقي رغم قوله احيانا " أَفَلاَ تَعْقِلُونَ " و "لعلكم تعقلون". وجاء في سورة البقرة "فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" وهو مثال واضح كيف كان القدماء يعرفون الشئ بنقيضه حيث تصبح المعجزة (بافتراض حدوثها) كفيلة بان يؤمن مشاهديها بديلا عن العقل.
وقال ايضا "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ”. و "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" و "لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ". وهي أيات كاشفة لمعني العقل في الاسلام والمطلوب من العرب تبنيه. فذكر العرب كدليل للعقلنه إذن كفيل بان يطلق العرب علي باقي الشعوب بالعجم وبالتالي بعدم التعقل!!!
وفي سورة الصافات وبين سردين متتاليين لقصتي لوط ويونس جاء القول "أَفَلَا تَعْقِلُونَ" في الايه 138 للتوكيد علي صحتهما باعتبار ان العقل ملزم بتصديق مثل هذه الاحداث.تلك نماذج التعقل والعقلانية في القرآن واصبحت مثل هذه المعلومات التي لا تتفق وقوانين الواقع الوارده صانعة للعقل الاسلامي حتي الزمن الحديث. رغم ان الزمن الحالي اعاد تشكيل العقل بعد ان اكتشف امراضه الداخلية التي سببت له عجزا امتد معه لالاف السنين. حذرنا فرانسيس بيكون منها، وهو اول من تأسست عليه العقلانية الحديثة، فقال ان اوهام العقل اربعة:
• أوهام القبيلة والمقصود بها العينة البشرية المتحدثة والمنتجة لنصوص جعلت تعميمها فكرا وسيادتها دينا ومصداقيتها قدسا من الاقداس. من اوهام القبيلة التعميم وافتراض انها تنطبق علي الجميع دون النظر للفروق حيث تصبح التطابقات ملزمة والنزاهه علي المحك.
• أوهام الكهف والمقصود بها البيئة الثقافية والحضارية التي نشأ بها الفرد المنتج والمستهلك للنصوص المعرفية المعلوماتية. ومدي تاثرها بالموروث الاجتماعي الثقافي الاقدم تاريخيا.
• أوهام المسرح ويقصد بها الاخطاء الناتجة عن تاثير المفكرين القدامي ورؤاهم المتضاربة والمنفصلة عن الواقع الراهن. وبالتالي فان اعجاب المتلقين في المسرح لما يقدم لهم علي خشبته وبراعة النصوص ومدي اعجازها يجعل العقل عاجزا ومشلولا عن فحص مدي الصحة لما يلقي عليه من اقوال.
• أوهام السوق وهي الناجمة عن الخلط اللغوي وسؤ استخدام اللغة وهي اكثر ما ينبغي تجنبه حيث ياتي ذكر اشياء لا وجود لها بهدف الترغيب او الترهيب لان الفيصل في الحق – حسب تاكيدات بيكون – هي مدي مطابقة الواقع بحقائقه لما يقال.
قام بيكون بعملية تطير جراحي لجهاز التفكير البشري. لكن مدي تعارض العقل الحديث مع العقل الاسلامي الموروث تؤكد مدي حاجتنا لعمليات جراحية عميقة، فأهم انجاز حققته الفلسفة من بعده كان التيار التحليلي الذي وفي نهاية المطاف اخذ اللغة حقلا للبحث لاعادة تنقيتها من كل ما لحق بها من زيف. كان مشوار التحليل طويلا بدأ بالنقطة والخط االمستقيم عند ديكارت الي حركة الاجسام عند نيوتن الي تركيب بنية رياضية للموجات عند ماكسويل الي البيولوجيا نهاية بالجينوم وتحليله ثم اعاده تركيبه استهلالا لخلق بشر او كائنات حية في المستقبل. واصبح التحليل والتفكيك اللغوي من اهم العلوم الحديثة لفهم كيف يتعامل العقل مع امور الحياه. فامراض اللغة اضافة للامراض الاربعة السابقة كلها تملأ الثقافة العربية وتعوق العقل المشرقي من الانطلاق.
لم يغازل بيكون الغرائز والشهوات ولم يخلط بين القلب والعقل اثناء تشكيله للجهاز العقلي الجديد فوضع العنوان " الاورجانون الجديد" علي غلاف كتابه كجزء من عمل ضخم اسماه "الاحياء العظيم". الاسم يحيلنا مباشرة الي ابو حامد الغزالي عندنا في كتابه "إحياء علوم الدين" لكنه لم يذكر العقل وكأن الدين كفيل بامور الدنيا وأمور العقل مثلما اعتقد المسلمون الاوائل أو ان الدين هو بديل للعقل. وتحصنت المعجزة بالاسطورة لان الاسطورة تجري علي وتيرة لا عقلانية. فاقوال العقلانية في القرآن تصبح مدعاه لاعاده فهم كيف كان يفكر سلف العرب ومن رضي الله عنهم في جزيرتهم وما نقلوه الي باقي الامصار باعتباره " الاورجانون العربي الجديد".وهل كان لديهم عقلاء قالوا بانها ليست باكثر من اساطير الاولين!!
إختزل الاسلام العقل والتعقل في تصديق الاوائل لكتب سماوية سابقة عليه (لم تعد موجوده لانه انكرها) وانكار قصص الاولين باعتبارها اساطير ثم تثبيت نفس القصص وقصص أخري مشابهه في كتب يدعي المسلمون تبديلها وتحريفها. فالرجل الاول في الاسلام هو الصديق ابو بكر. ذلك هو الاورجانون العربي والذي يتم توزيعه مجانا عبر الفضائيات والصحف وجميع وسائل الاعلام لنناطح او نصارع عقول العالم الحديثة من حولنا التي باتت علي وشك خلق كائنات حية في مختبراتها. كان عقل الصحابة عربيا جاهليا قبل الاسلام، وبعد دخولهم فيه اصبحت هناك وحده بين العقلين عربيا واسلاميا حسب عنوان الكتاب الثاني لجورج طرابيشي. فاصبحت الاستقالة هي من النهايات الحتمية لذلك العقل حسب الكتاب الاخير للمفكر الكبير "طرابيشي".

ثقافة الـــ "تحت"

فجرت الاستاذه نادين البدير الدمامل والجروح المتقيحة في الثقافة العربية الاسلامية. اعلنت حربها علي ثقافة الجواري والإماء وما هو معروف من الدين بالضرورة تحت مسمي تعدد الزوجات. ودربت نفسها علي مبارزة الذكور الذين نطقت السنتهم بما تمليه عليهم اعضاء اخري ضمن اجسادهم. مقالها بعنوان "أنا وأزواجى الأربعة". استهلته بقولها " ائذنوا لى أن أزف إلى أربعة.. بل إلى خمسة.. أو تسعة إن أمكن".
فكم هي كثيرة تلك النصوص المقدسة التي تخدم اصحاب الشهوات المتأججة، وتعتبر المرأة متاع للذكر دون اي احساس بمدي العسف علي مشاعر النساء اللائي وصفن في النصوص بانهن تحت. ففي كل ازمنة العرب الرديئه ومعها ازمنة الحكم بالدين، وما اطولها، يستحيل حصر مجالات الرداءة في وضعيه الانسان مسلما او غير مسلم، رجلا كان ام انثي، عبدا كان ام سيدا. وهل كان هناك زمن عربي غير ردئ؟
جاء في سورة التحريم الايه العاشرة "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ".
جاء ذكر هذا الوضع (بغض النظر عن المقصود هل هو اجتماعي عام ام اثناء الممارسة الجنسية) لشخصيتين انثويتين تحت شخصيتين ذكوريتين مؤمنتين يرتكز عليهما الاسلام من اجل تمرير قيم ومبادئ يستنكرها الميثاق العالمي لحقوق الانسان وتستنكرها المرأة المظلومة والمتمرده علي وضعها في بلاد المسلمين دفاعا عن كرامتها الانسانية بشكل عام.
كم حاول الاصلاحيون ترميم نصوص الاديان بالتاويل دون الاقتراب من بعضها حتي لا ينخدش الحياء. لكن تظل النصوص مستعصية علي المعالجة، لان الايمان بها ليس التحاما تصالحيا بين المؤمن والمؤمن به انما اخضاع المؤمن لما آمن به، طوعا او كرها. لم يات الحل إلا في تقدم وارتقاء البشر، فكلما ارتفعت مستويات الكرامة داخل نفوس من ظلموا انفسهم بالايمان يوما، كلما تصدعت النصوص الدينية وتهرأ ما هو معروف من الدين بالضرورة واصبح الاصلاح بالمغادرة وفك الصلة بين المؤمن والمؤمن به ممكنا.
لم يكن النص القرآني بعيدا عن ثقافة العرب قبل الاسلام. فما اكثر ابيات الشعر الجاهلي التي نجد تطابقا ومشابهه في ايقاعها المرسل وموازينها الشعرية مثل:
اسلمت وجهي لمن اسلمت له الارض والجبال
دحاها فلما استوت ارسي عليها الانهار زلالا
خفت الموازين بالكافرين وزلزلت الارض زلزالها
ونادي مناد باهل القبور هبوا لتبرز اثقالها
ومسهم ما مس اصحاب الفيل
ترميهم بحجارة من سجيل
أما النموزج النثري الاكثر شهرة وقربا من قصاري السور فيما روي عن قس ابن ساعدة الايادي المتوفي عام 600 ميلادية.
فمن ناحية البلاغة والقدرات اللغوية واعادة توليد الاساطير استقبل اهل الجاهلية نصوص الاسلام بما يرضيهم والا لما دخلوا فيه حتي ولو كان السيف مشرعا كما حدث لاحقا. أما من الناحية الاجتماعية فتعدد الزوجات كان قائما ولم يغير الاسلام شيئا منه لان استبدال زوج مكان زوج بات من ثوابت الايمان، كتنظيم تبادلي للسلعه، عملا بمبدا الاقتصاد وحساب التكلفة الجارية لو ان عدد الاناث في حضرة الذكر الواحد يفوق قدرته الاشباعية لهم. جاء في الايه العشرون من سورة النساء "وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً".
لم يتوقف أحد عند مسالة الاستبدال فالنص ليس مهموم بها إنما مشغول بالاموال او القناطير والاثمان كحالة تجارية أكثر اهمية من عملية استبدال النساء كحالة سلعية. فمنطق السوق في المجتمع التجاري فرض نفسه في الايه الكريمة حتي ولو كان المستبدل بشرا كالمنقولات من ممتلكات لمن يريد استبدال انثي بانثي اخري. أما التعرض لبيئة السوق ومفهوم القيمة فليس واردا بين مالك وبائع ومشتري وسلعة وسعر وعرض وطلب مما لا يستحب الحديث فيه. الم تكن الاستاذة البديرعلي حق إذن فيما هي تقاتل وحدها منفرده في ساحة يملؤها ذئاب السوق الراغبين في تعدد انواع اللحم الانثوي جمعا لهم او استبدالا فيما بينهم. كلمة "تحت" ولفظ "استبدال" هما لاثبات الاعجاز اللغوي ولا ينكره احد شرط ان يكون الحديث عن أمتعة وممتلكات واصول منقولة.
بعد ان جرت اموال النفط في ايد اصحابها واصبحت الشريعة في حاجة الي تصحيح ظهر فقه الرغبات الجنسية لطمس ما سينكشف من الشرع والمشرع لعدة انواع من الاستبدال او الجمع او التسريح دون اخذ راي الانثي ودون مراعاة لمشاعرها. فثورة نادين البدير ليست فقط على التعدد فى حد ذاته بل ثورة علي جلافة الفقية ومدي احتقار الفقهاء والمشايخ للمرأة وصلافة الجاهلية حيث وجد التعدد العربي الجاهلي واخلاق السوق طريقه الي الاديان وشرائعها لتخضعها لرغباتها. لم تتطرق الكاتبة الي صدقية التعدد بناءا علي احاديث أو ايات لان الايمان طاغ والبصيرة باتت عمياء، لكنها آثرت ان تعدد ايضا تحقيرا للذكر العربي الاعمي. وهناك ما هو اعمق من ذلك لان للنص قائل وللحديث راو، وللنص ارضية اجتماعية وبيئة ثقافية، هي ذاتها ابنتها. وكما يقول علم النفس في قاعدته الاساسية " وراء كل سلوك هدف" و "وراء كل كلمة دافع".
كشفت البدير ان اوجاع المراة العربية المسلمة ليست من فعل الامبريالية الامريكية او هيمنة الغرب المتهم بكل انواع الفسوق عبر السوق العولمي الهائل. إنما في اموال نفطية استثمرها اهلها لدهس كرامة المرأة في تعدديه ودهس الابرياء وقتلهم تحت مسمي الجهاد.
اصلاح خلل التعدد مستحيل لو حاولنا إعاده تاويل النص لان النص يمتلأ بالثقوب التي شجعت الجاهلية للدخول في الاسلام. فأن تستعيد الانثي كرامتها في حضور الالفاظ الدالة علي استخدامها السلعي من امثال " فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً" امر مستحيل. ولمرة ثالثة نجد لفظي الاستمتاع و الاجور معجزين، ويعجزا السيدة البدير لو اعتمدنا النص الديني كمرجع للمساواه او في ادناها عتقها من كونها متاعا وسلعة استهلاكية. فالعرب اتوا بمعجزات ليس فقط في اللغة كما هو معروف، إنما في استحضار الاقتصاد بديلا عن الاخلاق، والتجارة كاخلاق سلوكية، والنخاسة بديلا عن الحريات. امريكا لم تسوق المثني والثلاث والرباع وملك اليمين، ولم تختلق تلك النصوص فالقانون الامريكي يمنع الدعارة بعكس بلاد اخري كثيرة بها بيوت علنية او مستترة لاقدم مهنة رحب بها الرجل وكان هو الزبون الوحيد ليستهلكها.
دخلت الاستاذة البديرالمعركة وقت انكشاف بلاد العرب والمسلمين علي العالم في زمن العولمة بمسألة المساواه في الحقوق. فالحرية لا تؤخذ الا بالثورة علي العبودية والحقوق لا تسترد الا بالثورة علي الظلم. لكن الغريب في حالة البدير ان المجتمع الرعوي البدوي القبلي الجاهلي المفترض اختفاؤه منذ ظهور الاسلام لازالت افرازاته الفكرية والثقافية حاضرة وبموجبها ظلمت ملايين النساء بتطبيق الشريعة. فآثرت البدير المعاملة بالمثل.
اقامت القومية العروبية، قبل انهيارها، الدنيا سبا وشتما للغرب والراسمالية باعتبار السوق من منجزات الراسمالية بينما البيع والشراء ولا شئ سوي الاسواق والتجارة دون الانتاج والعمل هما من واقع عالم المسلمين اوائل ومتأخرين. ففلسفة عكاظ وما حولها لازالت حية، رغم القول بان الاسلام يجب ما قبله!!. وجاء مؤخرا الاسلام السياسي الوهابي ليتهم الغرب بانه لا اخلاقي بدون اي مقارنة لنصوص كلا من المجتمعين في الغرب وفي الشرق ودون نقد للذات بل بثقة مفرطة. وكانت الصدمة من إمرأة من داخل ذات المجتمع المصدر والمنتج للاسلام. لم تطالب البدير بالعدل الذي نصت عليه بعض ايات القرآن لانها تعلم ان الذكر المسلم ومعه الفقية الشيخ جعلاه من المنسوخ من النص بالضرورة. فآثرت ان تهين الرجل وتطلب اربعة رجال ونسيت، ربما لانها ناقصة عقل ودين حسب التوصيف القرآني لها بالنسيان، حقها أيضا في ملك اليمين.