الخميس، 23 يوليو 2009

الضباع الجائعة

كم من مرة ضجت آذاننا باقوال اهل الاسلام السياسي بان الاسلام لا يعرف العنصرية. كان المقصود الذين دخلوا الاسلام ورغم ذلك فالممارسات الاسلامية والاسلاميين طوال التاريخ عكست العنصرية والطائفية وحروب المذاهب حتي لمن دخل الاسلام. فالصدع الديني الاكبر بين الشيعة والسنة قائم علي هذا التصنيف وكذلك الصدع السياسي الاعظم بين بني امية والعباسيين حتي ولو انتموا الي اصول من ذات القبيلة المؤسسة لدين الإسلام.
فالإسلام السياسي وأهله لا يرون أحدا إلا إذا كان مسلما علي شاكلتهم، عدا ذلك، يتنكرون لأقوال المساواة والسواسية ويعودون ليكونوا عنصريين حتى مع بعضهم البعض. يبدأ بكائهم ونحيبهم بدموع التماسيح (عفوا أيها التمساح ذلك الحيوان الخلاب) علي مسلمين في بقاع العالم شرقا وغربا، حتى ولو لم يكن يعرفوا من الإسلام شيئا سوي حركات ميكانيكية يؤدونها تحت مسمي صلاة.
قالها فهمي هويدي الباكي علي أهل سينغيانغ الصينية باعتبارهم مسلمين رغم أنهم أساسا مواطنين في هذه الدولة العظيمة، قال الرجل " أحداث الصين الأخيرة ذكرتنا بعذابات ملايين المسلمين المنسيين في أنحاء المعمورة، الذين لم يعودوا يجدون أحدا يعنى بأمرهم."
غازل هويدي الغريزة الدينية عند المسلمين في قوله " بأن كثيرين هناك ضبطوا ساعاتهم على توقيت باكستان وليس الصين". كتب الرجل مقالاته الثلاث بعنوان:
"منسيون ومعذبون في الصين"
"سكتت الحكومات ــ أين الشعوب؟"
"خذلتنا الدول الإسلامية"
فمبدأ فرق تسد له أدوات كثيرة استجد منها فرق التوقيت وضبط الساعات. فلو حكمت الضباع هذا الإقليم واعتمدت توقيتات باكستان لبدأت التفرقة بعدم زواج أهل البلاد من بعضهم لان نسائهم حلال علي البعض وحرام علي البعض لان الإيمان لم يدخل قلوبهم بعد وربما ينفصلوا عن الصين مثلما فعلت باكستان مع الهند، دولتهم الأم. فلو عرف هويدي خرائط الزمن لأدرك أن الجغرافيا اصدق انباءا مما وقر في القلب. فالصين مثل روسيا وأمريكا وكندا بها أكثر من توقيت لامتدادهم عبر عده خطوط طول . فإقليم سينغيانغ بأكمله يشترك مع شرق باكستان و أفغانستان في نفس الفالق الزمني. لكن ماذا نفعل والنوايا السيئة مضمرة حتى ولو كان دوران الشمس وتوزيع الأقاليم لا مكان له في المعرفة الإسلامية؟ لكن يبدوان المقصود بالتوقيت هو الفهم الطالباني لأفغانستان وشرق باكستان الواقع تحت تأثير الوهابية الطالبانبة .
إعترف هويدي بانه ذهب ومعه حقيبة مليئة بالكنوز الاسلامية عي طريقة التاجر الطماع والجشع في اوبريت مرزوق العتقي. لم يجني تاجر الاوبريت من شطارتة الا تاج الجزيرة " السلطانية" فعاد نادما باكيا وترك الجزيرة باهلها سليمة معافاه. اما هويدي الذي يعرف تاريخ الصين فقد عاد ليبكي عليها ايضا مضمرا ما لا يحمد عقباه لاهلها ولعلنا نذكره بها في وقفة سريعه.
إنها الدولة التي عانت وداس فيها كل مستعمر اوروبي وياباني. لم تشهد البشرية مذابح بشعة واكل اللحوم مثلما حدث مع الصين. وانتهي بها الامر في القرن العشرين بشعب اشتهر بالافيون وادمانه. صنعت الصين معجزة القضاء علي الافيون بينما هناك شعوب عربية واسلامية حتي النخاع مازال القات هو غذائها الرئيسي منذ 1400 عام وعلي وشك الانقسام والتشرزم مرة اخري. قامت الصين بثورة اشتراكية فكان مجرد اكل خبز أو أرز حاف لمليار وربع نسمة هو معجزة باي حال. تحولت الدولة الي الاشتراكية في عصر الانقسام الايديولوجي. وعندما فشلت الاشتراكية لاسباب كثيرة كان هويدي وفريقة القومي والعروبي والاسلامي من ضمنها بطفيليتهم علي الكتلة الاشتراكية انهارت تلك الكتلة، عندها تحولت الصين الي دولة مركزية راسمالية.
في طورها الجديد صنعت الصين للعرب أصحاب شعار"أمجاد يا عرب أمجاد" سجاده صلاة بها بوصلة لتوجه المؤمن الذي لا يعرف عن فرق التوقيت أو الموقع الجغرافي شيئا. صنعت فانوس رمضان الذي يردد الأذان في المغرب وعند الفجر تذكيرا للمسلم الغافل عن كل شئ في حياته إلا بقيام الليل والحرص علي الطقوس. ولم تنسي الصين أن تدخل البهجة علي الأطفال فهناك فوانيس تشدو بأغنية " بابا اوبح". يكفي هذا، فهذا ما يهم هويدي شكلا وليس موضوعا، من الصين الصناعية. أما حديثي للعقلاء فقد امتلأت شوارعها بالسيارات بدلا من السير علي الإقدام أو باستخدام الدراجات، اقتصادها شغل بال معظم الاقتصاديين فقالوا بأنها ستكون اكبر اقتصاد عالمي في هذا القرن. صعدت الصين للفضاء وصنعت السيارة والكوميوتر وتبدل الزي المتقشف لشو أن لاي وماو الي الاسموكنج والكرافاتات الانيقة. وبدأت فتياتها في منافسة الجمال الأوروبي، عند هذا الأمر الأخير فإنا علي يقين أن هويدي والعرب وأمثالهم سيتذكرون علي الفور القول المأثور "ولا تنس نصيبك من الدنيا".
فلماذا إذن ذهب هويدي الي هذا الإقليم ولم يذهب إلى الصين ذاتها لينقل لنا تجارب الصين العظيمة. هو ذهب لينقل إليهم بحقيبة تحوي ما يردده أهل اليمن وأفغانستان رغم أن القات والأفيون لم يغادر أفواههم متزامنا مع الصلاة. فما جدوي تعلم مسلمي الصين القرآن وحفظه من النسخ المنقولة إليهم؟ وهل هي مقدمة لأفينة الشعوب مجددا حسب قول ماركس بعد أن قامت الصين بالانتصار عليه فكرا وإدمانا في العقل والقلب وفي الأعصاب.
تبدو المراكز الرأسمالية في العالم في حالة تنافس وتبدو أيضا في حالة من تقسيم العمل والأدوار كل بنصيب في كعكة السوق الكبري. أما العرب والمسلمين فلا مكان لهم إلا قول دوق إدنبرة عن السياحة العربية في بلده بأنها " دعارة وطنية". فكل مسخر لما خلق له. دول الصناعة والابتكار والاختراع لها مجالها ودول التطفل والاستهلاك والإدمان لها أهلها أيضا. لكن لو أننا أخذنا بنظرية المؤامرة بالحرب، سرية كانت أم علنية، التي يؤمن بها العروببين والإسلاميين، لو أخذنا بها مؤقتا، فربما نشرح بها بعضا من المظاهر المربكة في حياتنا. فما أكثر من يتظاهرون بأنهم حملان لكن جلد الذئب وأنيابه وضروس الضباع ووحشيته تظهر في لحظات كاشفة رغم تنكرهم بتبتل وورع وتقوي طوال الوقت وعلي صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات. ماذا لو أن اكبر دولة رأسمالية قررت التآمر علي الصين بتفتيته إلي كتل واقاليم، خاصة لو لاحظنا كيف أن دخول إسلام عصر الوهابية النفطي لأي دولة فان الانشطار يصبح حتما مقضيا ولنا في الصومال والسودان وأفغانستان وباكستان ونيجيريا أسوة سيئة. فمع من يعمل هويدي إذن لو صحت نظرية المؤامرة التي هم بها مؤمنين؟
خبرتنا الطويلة مع هؤلاء أنهم يقيمون الدنيا ضد أمريكا والغرب والصليبيين واليهود بأنهم أعداء للإسلام وكذلك والمسلمين البسطاء والعلمانيين والملحدين وكل من له عقل واتي إلي العالم بقلب سليم بأنهم أضاعوا الفريضة الغائبة. لكن اللحظة الكاشفة تأتي أيضا فلا احد يمكنه منع الحقيقة. إنها ذات اللحظة التي بدأنا بها المقال عندما قلنا أن الإسلام السياسي يدعي انه لا يعرف العنصرية والطائفية لكن مسلك الضباع يبدوا حاضرا إذا ما لاحت في الأفق فرائس جديدة يسيل عندها اللعاب وتصدر الروائح وتبرز الأنياب فهناك في الصين فريسة جديدة قابلة للتحول إلي أفغانستان وصومال ودارفور جديدة لتشفي غليل قوم مؤمنين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق