النقاب كزي يدعي مرتديه انه يوفر الحماية من خطر ذكوري جنسي جسدي شهواني شبقي. معني النقاب إذن كامن في المكون الاساسي للبشر حيث العري التام من اي غطاء ومن اي دفاعات في مواجهه اي خطر جنسي. انه تعبير عن انعدام الامن منذ اللحظة الاولي للوجود الانساني الحضاري. فأين مكاسب مسارات التطور الحضاري الذي طال المسلمين وغير المسلمين طوال التاريخ؟
وسنبدا بتعريف للتحضر عبر مفهوم الامن تحقيقا وممارسة.
· هو توفير الحاجات باقل تكلفة وبأعلي كفاءة وباقل خسائر عبر صناعتها وتخليقها.
· هو حالة تعاونية يشارك الكل في صناعتها بكامل حضوره الاجتماعي.
· هو حالة قانونية يتساوي فيها الجميع امام القانون الواحد دون تفرقة.
· هو بناء سياسي يكون للجميع فيه اعتبارا بالمشاركة او بالراي.
· هو حالة تنتفي ويختفي فيها الخشونة والعنف بسبب توفر الحاجات الاساسية للتعايش.
المشترك إذن بين هذه التعريفات هو ان التواجد السلمي الآمن دون اي انتقاص لصالح اي طرف أخر فردي او جمعي. فاين موقع النقاب إذن في هذه المنظومة؟
ولأن الانسان ليس سوي راسب تاريخي للمكونات البيولوجية والفسيولوجية والنفسية والاجتماعية والسياسية كل حسب ترتيبها زمانا ومكانا عبر التطور من الصيد الي الرعي الي الزراعة الي الصناعة الي الحداثة الي ما بعد الحداثة، فان تطوره هذا ليس سوي تعبير اكثر مرونة لمدي القدرة علي بناء سواتر امنية او تذويب لاخطار قديمة عبر تشكلات اجتماعية وانماط عمل واطوار انتاج، وفر فيها حاجته التي ينتفي معها الفقر ومن ثم الحاجة وبالتالي الخطر والخوف. التحضر إذن هو مدي تحقق الامن.
لكن الوعي به يختلف بمدي وجوده علي ارضية سياسية تسمح له بحق التجلي لما يعيشه الانسان كل في عصره وليس ما هو مدفون في اعماق لا وعيه. هو إذن ممارسة وليس مجرد هواجس وتوهمات في العقل الباطن. فعندما ينحط واقعه السياسي ولا يجد ظهيرا للحماية تبرز نظم الحماية المدفونه في اعماقه او في لا وعيه الموروث منذ زمن البربريات وفترات التوحش وانعدام الامن بشكل مطلق. فالنظام السياسي المتخلف والجاهل يدفع الي إعادة ابراز كل امراضنا الحضارية التي هي ماضينا وماضي غيرنا ويمنع حق جني وقطف نتائج الانجازات البشرية الحديثة. فلا حاجة بنا لان نعدد مدي رقي القيم الخلقية لدي المصريين القدماء او في بلاد أخري كثيرة ذات حضارات عريقة جائت الاديان العبرانية الثلاث لتردم انجازاتها دون ان توفر بديلا اكثر رقيا مما كان سائدا فيها.
فبعد 1400 عام من التوحيد بالله والصلاة والسلام علي نبيه الكريم واقامة الصلاة وإيتاء الزكاه وصوم رمضان وحج البيت للمستطيع وغير المستطيع او علي حساب الدولة اليه سبيلا، بعد كل هذا فاجأنا الجميع بانهم يتحدثون عن صحيح الدين ويبحثون عنه ويتباكون علي ضياعه عند الناس بينما يدعي المشايخ بانهم له حافظون وعليه مقيمون وبه مفتون.
أخر تقليعات البحث في الصحيح اتت في فزورة النقاب. هل هو من صحيح الدين ام بدعة ام انه عادة او فريضة، بعضهم ذهب الي انه من المعلوم من الدين بالضرورة. وهؤلاء هم الاكثر جهلا وتسطيحا لكل انجازات البشرية. اما بعض المشايخ والفقهاء الاقرب الي التحضر فتساءلوا: هل هو مستحب ام مكروه؟ وافرغ كل من هب ودب بدءا من مشايخ الاسلام والمواطنين انتهاءا الي موزعي انابيب الغاز، افرغوا جميعا ما في جوفهم من آراء بحثا عن شرعية له من نصوص قرآنية او احاديث نبوية. وحاول البعض ممن وقعوا في بيت العنكبوت الديني التملص من اقحام الدين فقال بانه حرية وإختيار شخصي. وابدي اكثر الناس ذكاءا رايا بانه خاضع لتصورات كل فرد عن صحيح الدين. ومع ذلك لم تحل القضية وبدأت المحاكم في تلقي دعاوي متعاكسة كلها عن النقاب.
فبعد اكثر من اربعة عقود من الدعوة للعودة الي الله، أصبح اسلام المصريين عاريا وفاقدا للقدرة علي توفير اي امن للاناث. وقبل الخوض في مسألة النقاب فان سؤالا منطقيا بات ملحا، هل المدافعين أو اصحاب شعار " الاسلام هو الحل" سعداء باسلام المصريين وما يصاحبه من كل هذا الفساد والفوضي والمشاكل شرعية وغير شرعية؟!! والاجابة بالقطع نعم. فالفاسد لا يريد الا فسادا من حوله والا فكيف يمكنه الهروب بافعاله؟
لم يكن هناك نقاب في مصر او حتي حجاب بطريقته الحالية زمن حفلات ام كلثوم وزمن اغاني بتساليني باحبك ليه؟ في هذا الزمن لم تكن الجوامع مكتظة كعلب السردين ولم يكن بها مشايخ بوجوه عابسة مكفهرة وكأن الطيرعلي رؤوسهم. وقتذاك كان معظم الناس حريصة علي اداء صلاة الجمعة وكفي. ومع كل هذا كان هناك خلق رفيع لدي المصريين فاسموه بالزمن الجميل.
مع الاسلمة بدأ الحجاب كغطاء للشعر من أعلي وظلت الملابس القصيرة من اسفل ثم شيئا فشيئا بدات عمليات الاخفاء حتي وصلنا الي اشباح تمشي في الشوارع وصاحبها ايضا اختفاء اهم قيم حضارية واخلاقية عن المصريين. في زمن السؤال عن الحب. كانت الشوارع تعج بفساتين السوارية وما فوق الركبة والصدر المفتوح والشعر المنسدل واجمل التسريحات، كانت معاكسة البنات تجري باجمل الالفاظ واعذبها وكانت تقابل بالابتسامة مع تسريع الخطو دليل الحياء والعفة من البنات. أما بعد الصحوة الاسلامية وزمن النقاب والعودة الي الله فاصبح التحرش والاغتصاب الجماعي مع تسريع الخطو ايضا في اتجاه قسم الشرطة للابلاغ عن فقدان العذرية وسرقة الشنط.
كان المطرب الجميل عبد المطلب يشدو بان حبيبه ساكن في الحسين وهو ساكن في السيدة، ويلومه علي سؤاله لماذا يحبه. اما في زمن التقوي والورع والصلوات الخمس التامة والتصميم علي الحج ولو مات بسببه من انفلونزا الخنازير فان السجون هي الماوي المحاكم هي الملاذ وعيادات ترقيع البكارة هي الامل بعد فتاوي مشايخ صحيح الدين.
في برامج فتاوي علي الهواء وما اكثرها في زمن صحيح الدين نسمع شكاوي كلها عن زنا محارم او سرقة نفقة او خطف ابناء او طلاق معلق ثم زواج سري متعدد الازواج. كم هي متجهمة وعابسة وجوه مشايخ صحيح الدين في هذه البرامج. تاتيهم المشاكل كالماء البارد علي رؤوسهم فلا نجد الا فتاوي كالثلج او كالنار لا تحمي احدا ولا تحل مشكلة. فمن اين أتي النقاب ومن اين اتت كل القيم التي يمكن قياسها كما وكيفا بقدر عدد محاضر الشرطة ودعاوي القضاء ومفساد الاحكام والفتاوي؟
ولو عدنا الي التوراه التي هي اصل الاسلام ومصدر نصوصه (فمصدرهما واحد وانه لا تبديل لكلماته) فان قصة ذهاب يعقوب النبي الي خاله ليخطب إحدى بناته تقول بالكثير. كان يعقوب يعرف مدي جمال الابنة الصغري لهذا اختارها دون اختها... لكنه اكتشف خدعة خاله عندما اختلي بزوجته فاتضح انها الكبري الاقل جمالا. فعاد وساوم الخال ثانية ليزوجه الصغري. وقد كان بعد وعد بدفع المطلوب. هكذا وكما تقول التوراة فقد جمع نبي الله بين الاختين. إضافة الي ان الخال قام بعملية غش باستخدام النقاب وحتي لحظة المعاشرة.
كان هذا قبل الاسلام باكثر من الفي عام تقريبا لكن المشترك في الحالتين ان البيئة الرعوية الصحراوية القبلية هي المشترك بينهما مما يعطي الحق بان القيم الاجتماعية ستكون متشابهة وربما النصوص ايضا حسب ما يؤكده القرآن بانه تأكيد لما هو مكتوب عندهم في التوراة والانجيل.
في الصحراء حيث يفتقد الامن بشكل لا حدود له بدءا من ندرة الماء والغذاء فان تواجد النساء مع الرجال هي حالة اضعاف للقدرة الدفاعية. عن كلا الاثنين. فما ان يتعرض رجل ومعه زوجة او جارية الي غرباء فان رصيده يقل بمقدار ما يجيش في نفوس المغيرين من رغبة في حيازه ما معه من ثروة جنسية. المراة بالنسبة له في هذا الموقف عامل ضعف عبرت عنها الثقافة العربية بانها عورة. اي انها الجزء المكشوف من ضعف الرجل. ولهذا قال المسلمين للنبي اثناء تحريضهم للذهاب من اجل القتال : وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً {13} سورة الاحزاب.
فالموروث الجاهلي الممتد معهم وعندهم هو ذاته ما حاجوا به النبي بان بيوتهم وبالتالي نسائهم وممتلكاتهم عورة لو انهم تركوها وذهبوا للجهاد اي للقتال من اجل نشر الاسلام. ترك ممتلكلتهم ونسائهم مكشوفين ضعف ووهن لان الامن الذي هو صنوان للتحضر لا وجود له. هنا نجد تلازم مفهوم العورة ومفهوم الامن عند هؤلاء القوم، هو يختلف تماما في مجتمعات لا تذهب للحرب أو تمترس العنف كوسيلة لكسب العيش. فالعدو عند العرب دائم الحضور لان الجهاد قائم الي يوم الدين. فواجبات الغزو لبلاد االكفار تتطلب استدامة العورة في الخطوط الخلفية وبيوت المجاهدين. فنسائهم ستظل عورة طالما ان الرجال بحجة فروض العين يداومون علي الحرب للحصول علي الثروات تحت ما يسمي نشر الدين الحنيف. هنا تتطابق قيم مجتمعات الصيد والرعي والبداوة والحرب والجهاد. حيث الامن مفقود بشكل دائم لغياب التحضر.
لكن الامر يختلف جذريا في مجتمعات الاستقرار بالزراعة او الصناعة يختلف جذريا ولا يتفق مع ما جاء توراتيا او اسلاميا. مجتمعات الاستقرار وضعت العدو او قل الاخرين خارج حدود الوطن بينما مجتمعي الصيد والرعي والجهاد المفتوحة للتنقل والامتداد يكون العدو دائما حاضرا وحاملا لعدم الامان بشكل دائم. بهذا تظل قيم العورة وبالتالي محاولة الاخفاء عن الاعين قائمة في عقول وشريعة هؤلاء الناس. وما النقاب سوي ستر اكبر قدر من ثروة الحسن والجمال في المرأه املا، إما في تحجيم وتقليص نوايا العدو الهجومية او امكانية غشه وخداعة لو احتاج الامر للخداع والتضليل. نفي الوطن حيث لا مكان للعدو الا خارجة ينفي قيم العورة داخليا. أما القول بان الاسلام وطنا يجعل الجميع في وضع العورة والضعف.
فقضية النقاب وجعلها اشكالية تطفو كلما ذهبت البداوة والبدائية الي اي مجتمع اكثر رقيا من الناحية الحضارية لزرع قيمها باعتبارها من المعلوم من الدين بالضرورة. بينما التحليل البسيط لتاريخ البشرية يقول بان ما يتم نشره هو المعلوم من البربريات بالضرورة، وهو ذاته السبب في وجود النقاب والحجاب كراسب في الوعي العقلي لهؤلاء الناس علي وجه التحديد لانهم من سلالة ثقافية فاقدة لمعني الامن وامكانية توفره. لكن ما يحير فعلا هو لماذا ظل هذا الراسب قائما عندهم رغم ان النصوص التي آمنوا وعتبروها نافية لقيم جاهليتهم قد نهتهم عن اعتباربيوتهم ونسائهم عورة حتي في زمن الحرب مما يستلزم إخفائها بالنقاب علي طريقة الاجداد تاريخيا وفي زمن يعقوب وخاله.
هنا سنعيد قول "رالف لينتون" شيخ الانثروبولوجيين القائل بان ظهور جين وراثي جديد اسهل كثيرا من تبدل او تغيير قيمة ثقافية موروثه. لقد فك الرجل اللغز، لان نفس النص الذي نفي قيمة العورة ولو مؤقتا لصالح الحرب لتؤمن موارد وثروات مجلوبة أعاد وثبت الحجاب او النقاب فيما بعد نافيا القول القرآني السابق فقال في آيه الحجاب: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن" 31 سورة النور
فرغم ان الالفاظ المستخدمة لا تفي بقدر من الفهم الدقيق لمعني الشعر او الرأس او اي شئ مما هو متعارف عليه حاليا لتغطيته الا ان الفهم الجمعي لهؤلاء الناس ومعهم جمهور من المفسرين والفقهاء الغافلين عن اي علوم انسانية او بيئية جعلوا النقاب هو المقصود بهذه الايه. وكان استدعاء الجين الثقافي منذ الجاهلية بوتيرة سريعة اثناء التفسير والشرح هو ما سيدفع بمزيد من الارتباك والفوضي والعجب من امر هؤلاء الناس ونصوصهم المقدسة.
فكيف يكون الاخفاء في زمن الحرب شريعة للبداوة الجاهلية مع نفيه اسلاميا حسب الاية الاولي ثم يستعاد مع الاعتبار لدونية المرأة كعورة في داخل المجتمع المسلم الذي يعج بالمؤمنين الاتقياء الخاشعون والذاكرون له قياما وقعودا وعلي جنوبهم المفشون و الملقون للسلام بغزارة حسب الاية الثانية؟
كيف يكون الامن المفقود بالضرورة زمن الحروب والجهاد هو ذاته الحاضر في مجتمع الامان المسلم حيث يفشي فيه الجميع السلام ويسود الورع والتقوي، ورجاله كالبناء المرصوص، واهله خير أمة اخرجت للناس. ألآية الثانية اقرت بوجود التحرش حاضرا الي الحد الي ان يعاد الاختباء مرة اخري من وراء حجاب علي طريقة الجاهلية العربية او البربريات الاقدم تاريخا. اما السؤال الاكثر الحاحا هو: هل لو ساد الاسلام الذي هو دين السلام سيجعل من العدو حاضرا دائم من اجل نص لا نعرف حقيقة هل تم نسخها ام أعيد لها الاعتبار لاننا قبلنا العروبة بجذورها الجاهلية؟
وماذا عن التعريفات عن معني التحضر الواردة في اول المقال وهل تحقق ايا منها اسلاميا علي سبيل المثال وليس الحصر عبر ثقب اسلامي واحد اسمه النقاب.