الاثنين، 27 أبريل 2009

مأزق العقل العربي وتحديات الحاضر

من المؤكد ان العقل العربي منذ بداية عصر التخلف وحتى الآن يفرز تفكيرا جامدا ويؤكد وعيا سلبيا، ولا يعوزنا لكي نؤكد هذه المقدمة بالدلائل، فما حدث منذ بداية القرن الذي مضى والقرن الذي أهلّ وما جرى فيهما من وقائع وأحداث تثبت ذلك وتؤكده، فالعقل العربي باختصار هو عقل لا يعرف ما يريد وعاجز عن تحديد توجهاته، فهو غيبي حين الحديث عن أهدافه، مفرداته مستهلكة وقدراته الذهنية منهكة، يرفض حين يجب ان يقبل والعكس صحيح، اما الحديث عن رؤية الفرص التاريخية فهو حديث، اذا شئنا الدقة، هو حديث عن الفرص الضائعة وكيف استطعنا باجتهادات لا نحسد عليها ان ننجح في ذلك نجاحا كان لنا دائما فضل السبق فيه، ولعل سبب ذلك مرده الى ان الذاكرة العربية لا تتكئ الا على الماضي وغيبياته وأفكار المشعوذين فيه، وبعض أبيات الشعر في الفخر او الهجاء، ونصوص تراثية هي لزوم ما لا يلزم، ولذا فان العقل العربي الآن يبدو في قطيعة كاملة عن تحديات الحاضر، اما عن المستقبل وأهدافه فذلك شأن آخر لا علاقة لنا فيه، ذلك ان مجتمعنا اليوم هو أسير التخلف وما ينتجه هذا التخلف من حروب أهلية وقبلية واثنية وطائفية، وهو الى ذلك أسير الجهل والأمية حتى لنكاد نحتل الصفوف الاولى في هذا التصنيف في العالم، أضف الى ذلك سوء إدارتنا للانتاج او للتنمية، ومع هذا كله، وربما قبل هذا كله، ما أنتجناه من أنظمة حكم وحكام منهم من اصطاد الحكم بالوراثة او بالدبابات، وصادروا مواقع القرار بالتسلط الى أجل غير معلوم، وفي حين كان المطلوب من العقل العربي ان يواجه وينبه فقد بدا ان هذا العقل محاصر في ركنين، أصولية تذهب الى الغيبيات تحاكم خصومها بحدي الدين او السكين، وأنظمة تحاصر معارضيه بالاحكام العرفية، وهكذا صارت المشكلة مشكلتين أمام تجديد الحياة العربية وأمام العقل العربي الذي ظل قاصرا عن استيعاب هذا العصر فلسفة رقي ومعلومات، واعلاما يتواصل ويتصل مع مجتمعه، يتلقى ويبلغ حيث تدعو الحاجة، لذلك ومع ذلك فقد حدث في التاريخ المعاصر حالات نهضت فيها الأمة لتغيير واقعها، قاومت الاستعمار في هذا القطر او ذاك وانتزعت الاستقلال وواجهت أعظم هجمة استعمارية بعد الحرب العالمية الثانية تمثلت في اقامة دولة اسرائيل، وما زالت تواجه هذا الاحتلال بأشكال شتى، وأقامت دولة للوحدة بين مصر وسوريا بدت في حينها بأنها دولة الوعد بالتقدم وامتلاك القوة، ومع ذلك فان كل الانتفاضات المشروعة لم تستطع ان تواجه القوى المضادة لها ولم تستطع المحافظة على إنجاز الخطوات التدريجية والمتراكمة لإرساء علاقات صحية بين شعوب هذه المنطقة وأنظمتها، بل الذي حصل هو العكس تماما، فقد سقطت جميع الأقطار العربية في قبضة التخلف والعسكر، وفشل أول مشروع وحدوي عربي، اما الحديث عن اسرائيل فهو واضح ومسموع، فقد حاولنا ان نقاوم التخلف بالعنف، ولعل هذه المحاولة اذا كانت مبررة في وقت ما، فهي مميتة في وقت آخر، خصوصا اذا استعملنا العنف وأساليب البطش والارهاب في التعامل مع شعوبنا، ذلك ان المطلوب ان تتمتع تلك الشعوب بحريتها، بحقها في تنظيم أحزابها والانتساب اليها، بحرية القول والعمل، وهو نص موجود في كل دستور عربي ومشطوب ايضا من كل دستور عربي، وأعتقد انه بمثل هذه الحالة كان هناك تواطؤ ما حصل بدون اتفاق أغلب الظن ولكنه ادى الى نفس النتائج بكل تأكيد، ولقد تمثل ذلك التواطؤ بين العقل العربي الجامد والمتخلف وبين الحاكم العربي المتسلط والمتطلب، وعلى هذا فان العقل العربي الذي كان عليه ان يحلل الواقع وان ينتج أفكارا جديدة وخلاقة استقال من دوره تماما وأصبح داعية لهذا النظام او ذاك، يبرر ويبخر، ومع ان القيم هي نفسها، لكن تلك القيم استخدمت بمعان وغايات متباينة ولم يستطع ذلك العقل سوى ان ينتج مقولات غائبة عن الوعي، وهي مقولات رسخت التخلف وعممته وألغت التقدم لحساب التخلف نفسه، وهكذا وجد العقل العربي أمام حالة من حالتين: إما وعي أسباب التخلف وهو ما يرفد في خانة المستقبل، وإما تخلف الوعي وهو ما ينتجه حاضر هذه الأمة على كل صعيد، لقد وقعنا في الاشكال الذي هو مطب اجتماعي واقتصادي وسياسي في آن، وهي وقائع تدل وتؤشر على مأزق العقل العربي، فعندما يكون عقل النخب العربية غير قادر على ممارسة دوره في رسم إشارات التقدم، بل وممنوع عليه ان يمارس هذا الدور، فلا بد ان العالم العربي لسنوات كثيرة قادمة سوف يعرف الكثير من الفتن الاهلية والطائفية ناهيك بالردة الدائمة نحو السلفية بحثا عن حل مستحيل في نفق المأزق ذاته، ومع ذلك فقد تمت عدة محاولات لنقد العقل العربي وهي محاولات حددت منهجية جديدة نقدية ومتطورة تمثلت في نقد التحليلات السابقة بما فيها أهداف مستحيلة لمرحلة الخمسينات مع كل ما كانت تمتلئ به من محاولات للتقدم، ثم جددت تلك المحاولات اسلوبا جديدا وعمليا وعلميا للتعامل مع الاحداث وقرائتها، يدل عليها ما كتبه محمد عابد الجابري وجورج طرابيشي ومحمد أركون وسواهم، وهي محاولات علينا ان نلاقيها في منتصف الطريق حتى نقرر في نفس الوقت عندما نطرح السؤال الدائم معرفة ما نريد وكيف نحقق ما نريد، والسبل الى ذلك متوفرة بنسب شتى، بإمكانيات متواضعة ومتوفرة في هذه المؤسسة او تلك، والمطلوب عقول شجاعة تمتلك الرؤية والحس التاريخي لكي تتقدم بنا خطوات الى الأمام، وأيضا حاكم شجاع يمتلك حسا تاريخيا بتحديات المستقبل الذي يواجه أمتنا، قادر ان يطلق العقل العربي من أسره، بحثا ونقاشا وحوارا يفتح أمام الأمة الأبواب المغلقة ويكسر حاجز الخوف والتردد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق