الإعلام العربي من عصر الجاهلية إلى جاهلية ما بعد الإسلام: ضرورة ترسيخ قيم الحرية والحداثة
إحسان طالب
إحسان طالب
لا يمكن لمتابع أيا ً كانت صفته إلا ملاحظة التقدم الهائل الذي طرأ على الإعلام العربي في العقد الأخير حيث زادت الصحف و الجرائد بشكل كبير و ملحوظ إلى جانب تفاقم عدد الفضائيات و لعل أدنى مثال على ذلك هو العراق حيث تضاعف عدد الصحف و المجلات في مئات المرات. وهذه ظاهرة إيجابية رغم ما يعتريها من فوضى مؤقتة ستزول بالتمرس و اكتساب الخبرات.
في تقديري حتى يكون الإعلام العربي فاعلا ً و مؤثرا ً في عملية القضاء على الاستبداد و الفساد و التخلف و الجهل و الإسهام في التنمية البشرية و الاقتصادية يفترض في الإعلاميين التحلي بسلاح المعرفة و المعلومات في عصر غدت فيه المعرفة متاحة و ميسرة و المعلومات في متناول اليد ترجو من يتناولها و يصل إليها بقليل من الجهد و البحث السريع أحيانا ً و المتأني أحيانا ً أخرى فثورة الاتصالات التي نعيشها اليوم تلقينا في بحر من الأبحاث و الدراسات و الإحصائيات و الفرضيات و النظريات توفر لنا كل ما ينبغي الحصول عليه من أجل الوصول إلى إعلام حضاري و متمكن. كما يفترض بنا التحلي بالجرأة و الشجاعة لنقتحم حصون الفساد و قلاع الاستبداد بالنقد البناء و كشف العيوب و الجرائم والأخطاء، والانطلاق نحو حرية الرأي والتركيز على دور الفرد بإمكانياته الخاصة وعقله وعلمه المجرد في الوصول إلى المعرفة.
هنا نتساءل هل هناك خصوصية للإعلام العربي غير كونه ناطق بالعربية؟ وهل يتحلى إعلامنا برسالة أو رسائل خاصة تميزه عن غيره من الإعلام الناطق باللغات الحية الأخرى؟ ربما كانت الميزة الأولى للإعلام العربي سيطرة أجهزة السلطة عليه إما مباشرة أو توجيها ً وتمويلا ً، وبذلك يتحلى الإعلام بمهمة رئيسية هي دعم الأنظمة الحاكمة القائمة وتبرير بقائها في السلطة والتستر على عيوبها وأخطائها، وهذا لا يعني وجود إعلام وصحافة عربية حرة فهو موجود ولكن في حدود ضيقة. وفي عصرنا الحديث الذي غدا فيه العالم مكشوفا ً والخبر متاحا ً وغدت الأرض قرية صغيرة يعرف ما يجري فيها وكل أخبارها الصغار والكبار، وعليه كان لزاما ً زيادة هامش الحرية والنقد بما يعكس صورة أقل مأساوية وأكثر واقعية للإعلام الذي ما زال يحبو في دروب الحرية والتطور.
ربما يقع على عاتق الإعلاميين البحث عن الحقيقة وإظهارها وعدم التستر عليها حماية للفساد والاستبداد وبذلك يؤدي الإعلام دورا ً من أهم أدواره التي يعد الدور الثقافي التنويري الهام لها حيويا ً وضروريا ً فالشعوب العربية عموما ً بحاجة ماسة إلى إعلام نقدي مثقف ومضطلع قادر على النهوض بالعقل العربي إلى حيث البحث ومن ثم الوصول إلى المعرفة متجردا ً من قيود حاصرته زمنا ً طويلا ً وما زالت.
يركز الإعلام العربي عموما ً على الثقافة الدينية ويفسح لها مجالات واسعة ورئيسية وذلك لاستقطاب القراء والمتصفحين الذين تتمحور اهتماماتهم في الغالب في معرفة الموروث وعلاقته بالحاضر، ونتيجة لضمور واضمحلال التوجهات الثقافية الأخرى لدى شرائح عديدة من الشعوب العربية، غدا الاهتمام والعناية بالمناحي الثقافية المرتبطة بالأدب والفكر والفن محدودا ً وبمراجعة بسيطة لنوعية الكتب المطبوعة والمقروءة من خلال معارض الكتاب المنتشرة في عواصم المعرفة العربية نلاحظ بوضوح احتلال كتب التراث وما دار في فلكها في المراتب الأولى طباعة وشراء وقراءة ومن جانب آخر نلاحظ أن رواد المواقع الالكترونية الدينية يحققون أرقاما ً عالية جدا ً بالمقارنة مع المواقع ذات التوجهات الثقافية المتنوعة والليبرالية. ومن هنا نستطيع الربط بين توجهات الإعلام وأمزجة المتلقين، فالوسائل الإعلامية عموما ً تسعى لاستقطاب أكبر عدد ممكن من المتابعين من أجل وصولها إلى تلك الغاية تقدم لهم ما يودون الإطلاع عليه مما يوقعها في مأزق يمنعها من الخروج على رغبات وتوجهات القراء والمتابعين. وفي هذه النقطة بالذات ينبغي على الإعلاميين تحقيق التوازن بين ما هو مطلوب وبين ما ينبغي الوصول إليه.
إعلام عصر ما بعد الإسلام:
لعل أقرب ما يميز الإعلام العربي ارتباطه بثلاثة أنواع الأول الإعلام الرسمي وهو إعلام الأنظمة ومهمته منصبة على تدعيم النظام القائم ومدح الزعيم القائد وإبراز دوره التاريخي الذي يرنو إليه العالم أجمع والفخر بما ينتسب إليه هذا الزعيم الأوحد وهجاء الآخرين المصنفين في خانة الأعداء ورثاء أسلاف الزعيم والوقوف على أطلال الماضي والتباكي على اندثاره وضياعه.
الثاني الإعلام شبه الرسمي ويتماشى بأغراضه وتوجهاته مع الأول ويضيف عليها نقد قشري للواقع الذي تعانيه الشعوب ويحيل أسباب الفساد والاستبداد والتخلف والجهل والبطالة والتعصب والتطرف إلى الأعداء الخارجيين ويؤكد أن كل العيوب والنقائص إنما هي ناجمة عن البعد عن توجهات وآراء وقرارات الزعيم الأعظم.
والثالث الإعلام الخاص وهو في الأنظمة الشمولية إعلام رديء يحاول التستر بعباءة معارضة النظام وينتقد أشخاصا ً ومؤسسات وأفراد بحدود معينة لا تقارب الخطوط المحرمة من حيث المستويات والانتماءات، ويتلقى التعليمات والتوجيهات من رؤوس الأجهزة الأمنية بالتركيز نحو نقاط محددة للتأثير على العامة وتسيير القطيع المتلقي باتجاه مرعى ً بعينه، ويبرع هذا الإعلام في إظهار عجز الحكومات المعينة من قبل السلطة الحاكمة عن الوصول إلى الأهداف والغايات النبيلة التي تبنتها السلطة وغالبا ً ما يكون ثوريا ً أكثر من الثورة ذاتها وملكيا ً أكثر من الملك ويبدي تشددا ً وتعصبا ً وانغلاقا ً في أيديولوجياته وعقائده.
هذه الصورة للإعلام العربي لا تغادر تلك التي كانت معروفة ومتاحة عن الإعلام في العصر الجاهلي. وللبيان أقول: يعد الشعر في العصر الجاهلي الوسيلة الأهم والأبرز في الإفصاح عن طبيعة المرحلة التاريخية للعرب ما قبل البعثة حيث يشكل الشعراء منابر الإعلام والتوجيه في ذلك الوقت وبتلقائية شديدة كانت أهداف الشعر الجاهلي – إعلام ذلك العصر – محددة الأهداف وألأغراض والغايات بالفخر والمديح للشاعر وقبيلته وعشيرته وبالهجاء والذم والقدح للآخرين بالإضافة إلى الرثاء لمن غادر من أعلام القبيلة والعشيرة ونهج الشعر الجاهلي – إعلام عصره – عادة البكاء على الأطلال خارج مضارب القبيلة وما تبقى من آثار العشيرة. وهنا ببساطة – ربما مبالغ فيها – نلحظ التشابه بين إعلام العصر الجاهلي وبين الإعلام العربي الحديث الذي أصنفه بإعلام عصر ما بعد الإسلام.
فالعصر الإسلامي بإيجابياته وسلبياته تجاوزه الإعلام العربي الحديث وأصبحنا بعد أو فوق العصر الإسلامي و ذلك بالابتعاد عن القيم الإسلامية التي جاءت الرسالة في بدايتها منادية بها.
فالحرية و التسامح و المساواة و التكافل بين البشر كافة دون تمييز بين لون أو عرق أو دين كانت أهم أسباب سرعة انتشار و تقبل الدين الجديد بين أهله و خارج حدوده بين العرب و الأعاجم و مازالت تلك القيم المحرك الأهم في استقطاب أناس جدد ينضمون إلى قافلة المسلمين، و هذا لا يعني أن تلك القيم هي السبب الوحيد لكنها بدون ريب الوجه المضيء و الصفحة الإيجابية التي تتلى للتبشير بالأسلمة.
الإعلام العربي الحديث تجاوز تلك المبادئ السامية و القيم الإنسانية و حشر ذاته في مضامين و أغراض الإعلام الجاهلي القديم – الشعر – لذلك نعتبره إعلام ما بعد العصر الإسلامي. و للإنصاف فإن ذلك الوصف لا ينطبق على الكل إلا أنه يلتصق بالغالبية على الأرجح. و للإنصاف أيضا ً لابد من التنبيه إلى أن الشعر الجاهلي حقق إنجازا ً حضاريا ً ما زال قائما ً إلى وقتنا الحالي من خلال إبحاره في غمار الغزل و الوصف و تحليقه في فضاءات كادت تصل حد الإعجاز.
فالشعر الجاهلي أنجز تطورا ً و إبداعا ً شكليا ً في غاية الروعة و الجمال ما زالت تداعيات آثاره ماثلة و قادرة على تحفيز القرائح نحو الإبداع.
نجد الإعلام العربي في عصر ما بعد الإسلام محفزا ً فقط للتعصب و العدائية و التطرف و إقصاء الآخر و التعالي على الحضارات الأخرى و ربما كان تناوله لقضية الرسوم المسيئة للنبي (ص) دليلا ً و مؤشرا ً يدعم ما ذهبنا إليه ففي تاريخ 3/2/2006 عقدت قناة الجزيرة ندوة عن تلك الرسوم كانت الغلبة فيها كالعادة للتشدد و في 4/2/2006 تم إحراق عدد من السفارات الأوروبية في دمشق و بعدها في بيروت. لا أقول أن السبب الوحيد للقيام بمثل ذلك العمل المهين هو قناة الجزيرة فقط و لكنها ساهمت بشكل فعال في تحريض الناس و الرعاع على مثل ذلك الفعل كما ساهمت الصحف و القنوات الأخرى في ذلك إلى جانب خطب الجمعة التي سبقت يوم الحادث حتى الوصول إلى تلك النتيجة و من ثمة الانتقال بالمجتمعات العربية إلى عصر ما بعد الإسلام تحت راية و هوس التشدد الديني.
m.h.taleb@mail.sy
في تقديري حتى يكون الإعلام العربي فاعلا ً و مؤثرا ً في عملية القضاء على الاستبداد و الفساد و التخلف و الجهل و الإسهام في التنمية البشرية و الاقتصادية يفترض في الإعلاميين التحلي بسلاح المعرفة و المعلومات في عصر غدت فيه المعرفة متاحة و ميسرة و المعلومات في متناول اليد ترجو من يتناولها و يصل إليها بقليل من الجهد و البحث السريع أحيانا ً و المتأني أحيانا ً أخرى فثورة الاتصالات التي نعيشها اليوم تلقينا في بحر من الأبحاث و الدراسات و الإحصائيات و الفرضيات و النظريات توفر لنا كل ما ينبغي الحصول عليه من أجل الوصول إلى إعلام حضاري و متمكن. كما يفترض بنا التحلي بالجرأة و الشجاعة لنقتحم حصون الفساد و قلاع الاستبداد بالنقد البناء و كشف العيوب و الجرائم والأخطاء، والانطلاق نحو حرية الرأي والتركيز على دور الفرد بإمكانياته الخاصة وعقله وعلمه المجرد في الوصول إلى المعرفة.
هنا نتساءل هل هناك خصوصية للإعلام العربي غير كونه ناطق بالعربية؟ وهل يتحلى إعلامنا برسالة أو رسائل خاصة تميزه عن غيره من الإعلام الناطق باللغات الحية الأخرى؟ ربما كانت الميزة الأولى للإعلام العربي سيطرة أجهزة السلطة عليه إما مباشرة أو توجيها ً وتمويلا ً، وبذلك يتحلى الإعلام بمهمة رئيسية هي دعم الأنظمة الحاكمة القائمة وتبرير بقائها في السلطة والتستر على عيوبها وأخطائها، وهذا لا يعني وجود إعلام وصحافة عربية حرة فهو موجود ولكن في حدود ضيقة. وفي عصرنا الحديث الذي غدا فيه العالم مكشوفا ً والخبر متاحا ً وغدت الأرض قرية صغيرة يعرف ما يجري فيها وكل أخبارها الصغار والكبار، وعليه كان لزاما ً زيادة هامش الحرية والنقد بما يعكس صورة أقل مأساوية وأكثر واقعية للإعلام الذي ما زال يحبو في دروب الحرية والتطور.
ربما يقع على عاتق الإعلاميين البحث عن الحقيقة وإظهارها وعدم التستر عليها حماية للفساد والاستبداد وبذلك يؤدي الإعلام دورا ً من أهم أدواره التي يعد الدور الثقافي التنويري الهام لها حيويا ً وضروريا ً فالشعوب العربية عموما ً بحاجة ماسة إلى إعلام نقدي مثقف ومضطلع قادر على النهوض بالعقل العربي إلى حيث البحث ومن ثم الوصول إلى المعرفة متجردا ً من قيود حاصرته زمنا ً طويلا ً وما زالت.
يركز الإعلام العربي عموما ً على الثقافة الدينية ويفسح لها مجالات واسعة ورئيسية وذلك لاستقطاب القراء والمتصفحين الذين تتمحور اهتماماتهم في الغالب في معرفة الموروث وعلاقته بالحاضر، ونتيجة لضمور واضمحلال التوجهات الثقافية الأخرى لدى شرائح عديدة من الشعوب العربية، غدا الاهتمام والعناية بالمناحي الثقافية المرتبطة بالأدب والفكر والفن محدودا ً وبمراجعة بسيطة لنوعية الكتب المطبوعة والمقروءة من خلال معارض الكتاب المنتشرة في عواصم المعرفة العربية نلاحظ بوضوح احتلال كتب التراث وما دار في فلكها في المراتب الأولى طباعة وشراء وقراءة ومن جانب آخر نلاحظ أن رواد المواقع الالكترونية الدينية يحققون أرقاما ً عالية جدا ً بالمقارنة مع المواقع ذات التوجهات الثقافية المتنوعة والليبرالية. ومن هنا نستطيع الربط بين توجهات الإعلام وأمزجة المتلقين، فالوسائل الإعلامية عموما ً تسعى لاستقطاب أكبر عدد ممكن من المتابعين من أجل وصولها إلى تلك الغاية تقدم لهم ما يودون الإطلاع عليه مما يوقعها في مأزق يمنعها من الخروج على رغبات وتوجهات القراء والمتابعين. وفي هذه النقطة بالذات ينبغي على الإعلاميين تحقيق التوازن بين ما هو مطلوب وبين ما ينبغي الوصول إليه.
إعلام عصر ما بعد الإسلام:
لعل أقرب ما يميز الإعلام العربي ارتباطه بثلاثة أنواع الأول الإعلام الرسمي وهو إعلام الأنظمة ومهمته منصبة على تدعيم النظام القائم ومدح الزعيم القائد وإبراز دوره التاريخي الذي يرنو إليه العالم أجمع والفخر بما ينتسب إليه هذا الزعيم الأوحد وهجاء الآخرين المصنفين في خانة الأعداء ورثاء أسلاف الزعيم والوقوف على أطلال الماضي والتباكي على اندثاره وضياعه.
الثاني الإعلام شبه الرسمي ويتماشى بأغراضه وتوجهاته مع الأول ويضيف عليها نقد قشري للواقع الذي تعانيه الشعوب ويحيل أسباب الفساد والاستبداد والتخلف والجهل والبطالة والتعصب والتطرف إلى الأعداء الخارجيين ويؤكد أن كل العيوب والنقائص إنما هي ناجمة عن البعد عن توجهات وآراء وقرارات الزعيم الأعظم.
والثالث الإعلام الخاص وهو في الأنظمة الشمولية إعلام رديء يحاول التستر بعباءة معارضة النظام وينتقد أشخاصا ً ومؤسسات وأفراد بحدود معينة لا تقارب الخطوط المحرمة من حيث المستويات والانتماءات، ويتلقى التعليمات والتوجيهات من رؤوس الأجهزة الأمنية بالتركيز نحو نقاط محددة للتأثير على العامة وتسيير القطيع المتلقي باتجاه مرعى ً بعينه، ويبرع هذا الإعلام في إظهار عجز الحكومات المعينة من قبل السلطة الحاكمة عن الوصول إلى الأهداف والغايات النبيلة التي تبنتها السلطة وغالبا ً ما يكون ثوريا ً أكثر من الثورة ذاتها وملكيا ً أكثر من الملك ويبدي تشددا ً وتعصبا ً وانغلاقا ً في أيديولوجياته وعقائده.
هذه الصورة للإعلام العربي لا تغادر تلك التي كانت معروفة ومتاحة عن الإعلام في العصر الجاهلي. وللبيان أقول: يعد الشعر في العصر الجاهلي الوسيلة الأهم والأبرز في الإفصاح عن طبيعة المرحلة التاريخية للعرب ما قبل البعثة حيث يشكل الشعراء منابر الإعلام والتوجيه في ذلك الوقت وبتلقائية شديدة كانت أهداف الشعر الجاهلي – إعلام ذلك العصر – محددة الأهداف وألأغراض والغايات بالفخر والمديح للشاعر وقبيلته وعشيرته وبالهجاء والذم والقدح للآخرين بالإضافة إلى الرثاء لمن غادر من أعلام القبيلة والعشيرة ونهج الشعر الجاهلي – إعلام عصره – عادة البكاء على الأطلال خارج مضارب القبيلة وما تبقى من آثار العشيرة. وهنا ببساطة – ربما مبالغ فيها – نلحظ التشابه بين إعلام العصر الجاهلي وبين الإعلام العربي الحديث الذي أصنفه بإعلام عصر ما بعد الإسلام.
فالعصر الإسلامي بإيجابياته وسلبياته تجاوزه الإعلام العربي الحديث وأصبحنا بعد أو فوق العصر الإسلامي و ذلك بالابتعاد عن القيم الإسلامية التي جاءت الرسالة في بدايتها منادية بها.
فالحرية و التسامح و المساواة و التكافل بين البشر كافة دون تمييز بين لون أو عرق أو دين كانت أهم أسباب سرعة انتشار و تقبل الدين الجديد بين أهله و خارج حدوده بين العرب و الأعاجم و مازالت تلك القيم المحرك الأهم في استقطاب أناس جدد ينضمون إلى قافلة المسلمين، و هذا لا يعني أن تلك القيم هي السبب الوحيد لكنها بدون ريب الوجه المضيء و الصفحة الإيجابية التي تتلى للتبشير بالأسلمة.
الإعلام العربي الحديث تجاوز تلك المبادئ السامية و القيم الإنسانية و حشر ذاته في مضامين و أغراض الإعلام الجاهلي القديم – الشعر – لذلك نعتبره إعلام ما بعد العصر الإسلامي. و للإنصاف فإن ذلك الوصف لا ينطبق على الكل إلا أنه يلتصق بالغالبية على الأرجح. و للإنصاف أيضا ً لابد من التنبيه إلى أن الشعر الجاهلي حقق إنجازا ً حضاريا ً ما زال قائما ً إلى وقتنا الحالي من خلال إبحاره في غمار الغزل و الوصف و تحليقه في فضاءات كادت تصل حد الإعجاز.
فالشعر الجاهلي أنجز تطورا ً و إبداعا ً شكليا ً في غاية الروعة و الجمال ما زالت تداعيات آثاره ماثلة و قادرة على تحفيز القرائح نحو الإبداع.
نجد الإعلام العربي في عصر ما بعد الإسلام محفزا ً فقط للتعصب و العدائية و التطرف و إقصاء الآخر و التعالي على الحضارات الأخرى و ربما كان تناوله لقضية الرسوم المسيئة للنبي (ص) دليلا ً و مؤشرا ً يدعم ما ذهبنا إليه ففي تاريخ 3/2/2006 عقدت قناة الجزيرة ندوة عن تلك الرسوم كانت الغلبة فيها كالعادة للتشدد و في 4/2/2006 تم إحراق عدد من السفارات الأوروبية في دمشق و بعدها في بيروت. لا أقول أن السبب الوحيد للقيام بمثل ذلك العمل المهين هو قناة الجزيرة فقط و لكنها ساهمت بشكل فعال في تحريض الناس و الرعاع على مثل ذلك الفعل كما ساهمت الصحف و القنوات الأخرى في ذلك إلى جانب خطب الجمعة التي سبقت يوم الحادث حتى الوصول إلى تلك النتيجة و من ثمة الانتقال بالمجتمعات العربية إلى عصر ما بعد الإسلام تحت راية و هوس التشدد الديني.
m.h.taleb@mail.sy
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق