الأحد، 1 نوفمبر 2009

النخبة بين الكلمة والفعل

تمر بنا بعض المصطلحات ، نستخدمها ولا نتوقف عند دلالتها ووضعيتها في الكون الطبيعي أو الاجتماعي اللذان افرزاها. فالمصطلح ودلالته وكيف بزغ وكيف نتعامل معه تلك هي الإشكالية الأساسية في الثقافة العربية المريضة.
فإذا أخذنا في الاعتبار أن ما يسمي بالنخبة هو في وحدة مع باقى المفردات الاجتماعية ولا تأتى من خارج هذا الكون بل تبزغ من داخله إلى اعلي قمته ذلك عبر الإعجاز الفيزيائي المسمي بالزمن ومن خلال القانون الأول والأخير في هذا الوجود وهو قانون الحركة فيزيائية كانت أم اجتماعية. فلا فرق هنا بين نوعي الحركة فكلاهما ي الواقع المدرك والمحسوس تفاعل وجدلية لا يختلف عليها أحد.
فالخبرة التاريخية لدينا تقول انه وعبر الزمان فإن السادة والنبلاء والفرسان والملوك والرؤساء والصفوة والطليعة والنخبة كلها تندرج في نسق واحد هو علية القوم . لا تتداخل منظومتهم من حيث دلالة الاسم ،وإن اختلف عبر العصور ، مع باقي الأنساق الأدنى في الطبيعة الاجتماعية. لكنه يتداخل بالضرورة عندما يتم رصد النسقين الفوقي والتحتي من زاوية تقسيم الثروة أي القاسم المشترك لجميع أفراد المجتمع كذلك حجم المساهمة في العمل اليومي . ثم تعود وتنفصل العلاقة ثانية عندما تحين لحظة اتخاذ القرار بشأن ما يجب عمله ومن يجب عليه التنفيذ ودفع الثمن إزاء أي قضية سياسية داخلية كانت أم خارجية. ولعل قرارات مثل التأميم ثم الحرب في 67 وكذلك في 73 ثم الانفتاح تؤكد الانفصالية المشار إليها.

فإذا ما عبرنا عن فئات المجتمع وطبقاته كل في نسق خاص به . نجد أن تلك الدوائر تتقاطع أو تتماس أو تنفصل عن بعضها طبقا لشروط المكون الداخلي لكل نسق . الأمر الذي يجعلنا اقرب إلى فهم النخبة ومعرفة صفاتها وتمايزها .
والسؤال هو هل النخبة عندنا في مصر سيبقي اسمها نخبه إذا ما رصدنا النقاط التالية :
· أولا : هم لم يأتوا بسبب تفوقهم الفكري أو العقلي أو الثقافي أو لرؤاهم الأعم والأشمل من الباقين . لكن بسبب المغامرة وعمليات القهر والاستبداد والكبت والتسلط علي القوي الأخرى . طوال سنوات طويلة هي عمر ما يسمي بسنوات التحرر الوطني مع بدايات الخمسينات . وهو بالقطع ضد الاختيار الحر والذي يأتي بأفضل العناصر من خلال صناديق الانتخاب .وليس غريبا أن يكون ظهورهم ليس فقط في مصر بل الشرق الأوسط كله بسبب سيادة الفكر العربي والذي أتي عبر التاريخ العربي كله بأسوأ العناصر إلى سده الحكم .
· ثانيا : الممارسة الخاطئة مع قوي الداخل والخارج وهي واضحة في نتائجها التي نلمسها اليوم كناتج نهائي لتلك الممارسات . وكمثال في تعاملها مع قضيه فلسطين وإسرائيل بروح من المغامرة . نفس الأمر مع القوي المنتجة في الداخل . وكذا استبعاد وتصفيه منظومة القيم في عقل المصريين الجمعي ووجدانهم بدءا من عام 1952 وإحلالها بقيم أخرى يعاني الجميع منها الآن .
· ثالثا : مدي الفهم التاريخي لحركه المجتمع والبشر عامه . وهي تتكشف في اختيار مستشاريهم الفكريين والعلميين ، والمفروض أن يكون همهم الأول زيادة إنتاجيه المجتمع وضبط إيقاعه . لكن الواقع يقول أن مفكري النخبة كانوا الأكثر ديماجوجيه وان فلاسفتهم من الوصوليون الذين يفتقدون روح المسئولية والحس العلمي والجمالي حتى ولو تحدثوا بصراحة . فالجامعة مستبعده تماما من القيادة العلمية والفكرية ، واهلها ملاحقون بالبوليس والأمن . رغم استلامهم إياها أي الجامعة في افضل حالاتها مع بداية الخمسينات . ويتعدي الأمر إلى اختيار النواب للرئيس وقد كانوا جميعا من اليمين السياسي " عبد الحكيم عامر ( اخوان )ـ ذكريا محي الدين ( يمين ) ـ حسين الشافعي ( اخوان ) ـ أنور السادات ( اخوان )" رغم أن رأس السلطة ومعه باقي الجوقة أي النخبة ظلوا يعزفون يسارا ، طوال نخبويتهم . هكذا نجد اللحن النشاز والانفصال وعدم التماس قد وصل إلى قمة ما يسمي بالنخبة .
· رابعا : معيار الانتاجيه والكفاءه ، والنموذج الذي أسوقه هو بورجوازيات اوروبا وكذلك اليابان والتي لا تقبل إلا الاقتراب من نسبه 100% في عملياتها الانتاجيه علي جميع المستويات . وفي جميع المجالات بدءا من الزراعة والصناعة إلى عمليه التعليم وصناعه المحتمع . كذلك عدم القبول بالولاء القبلي أو الأمني أو الشللي بعد أن تجاوزت الولاء الديني في عصور التنوير . الأمر الذي تمخض عن بروز أجيال جديده في الغرب واليابان أصبحت مثلها العليا هي الكفاءة من قبل ومن بعد . واصبح احتضان الكفاءات هو همهم الشاغل بل وصناعتها لزيادة قدراتها علي جميع ألاصعده .ومن ثم اصبح اللحاق بهم عبئا ثقيلا لذا تحول المجتمع بأسره الي شبه عالة علي الغرب والشرق البعيد علي السواء. أما نخب العالم الثالث وعالم التحرر الوطني وعلي رأسهم العالم العربي وفي قلبه مصر ، فقد هرب منها إلى الخارج كل الكفاءات والقدرات الخلاقة التي لا يمكنها العمل إلا في مناخ صحي ونقي لان قيمهم لا تسمح بالانتهازية بجانب الكفاءة . أما من تبقي فقد انزوي متحسرا علي نفسه يعمل في صمت ولا يشعر به أحد كالدكتور جمال حمدان .
· نفس النتيجة نصل إليها إذا ما تم قياس الكفاءة والانتاجيه العالية في علاقة النخبة بالقوي الخارجية . حيث تعتقد النخبة أنها تعزف لحنا يضارع موسيقات القوي الخارجية ولكنها تفاجأ بان العالم يصفق للآخر .
· وآخر التجارب التي تخوضها النخبة هي معركة التطبيع والتي تجري ألان علي الساحة . فلان النخبة تفتقد الكفاءة والجديه والانتاجيه العاليها لممارساتها فان الجوقها كلها تعزف لحن عدم التطبيع .لان التطبيع هو ممارسه للنديه والكفاءه والعمل الجاد في ظل سلام ، قد حققته مصر لنفسها . وبسبب انعدام الشروط السابقة للمارسه فالبديل الوحيد هو نغمه الحرب والأرض المحتله حيث لا صوت يعلو فوق صوت المعركة .أي الديكتاتورية والفاشية والرأي الواحد مرة أخري. أي إعادة إنتاج ذات النخبة بخلق المناخ العام الذي يسمح ثانيه بسيادتها وهو بالقطع مناخ لا يمكن تحقيقه إلا علي من بالداخل فقط . أما من بالخارج فلا سلطه ولا سيطرة لها عليه .
والحال هكذا . كيف تكون لدينا نخبه وان نسميها نخبه وهي مازالت ترفع شعار محو الاميه لاكثر من 40 عاما . وكذلك دعواها للتحرر الوطني وليس هناك تحرر بعد وكذلك بناء ديمقراطيه سليمة ، ولا أمل في بنائها ، إلا إذا كانت الديمقراطيه شئ آخر في قاموس نخبتنا عما عرفه البشر جميعا .
إن بقاء الشروط ألاوليه لافراخ نخبه من النوع الذي عاصرناه لاكثر من خمسة عقود لكفيل بإنتاج نفس النخبة مرات عديدة ، وهنا نعود إلى ما سبق ذكره في أول المقال عن صحة ودقه المصطلح " نخبــــه " .
فحتى تظل النخبة نخبه ، يجب أن يظل المجتمع في نفس الشروط ألاوليه التي جعلته يعتقد أن حكامه ومثقفيه نخبه وهو ما نراه الآن من سيادة الاميه التعليمية والثقافية والفكرية وكذلك اللاعقلانية والغيبيات والتواكلية والفساد وانتشار الجريمة ……………… الخ الخ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق